الترتيبات الجديدة ، ووضع فلسطين تحت الانتداب لتهيئتها كي تصبح «وطنا قوميا يهوديا» ، وبالسرعة القصوى ، فقد أصبح الأمر أكثر إلحاحا. ومع اندلاع المقاومة العربية العنيفة للمشروع الصهيوني ، توفرت الذريعة لدى قادة العمل الصهيوني لتشكيل منظمات مسلحة بحجة الدفاع عن المستوطنين ، وسكتت إدارة الانتداب عن ذلك ، بل شجعته ورعته أحيانا.
غير أن ضعف الاستيطان الصهيوني أثار جدلا داخله بشأن جدوى تشكيل منظمات مسلحة ، أخذا في الاعتبار انعكاسات ذلك على مسار الصراع ، وقدرة المستوطنين على الصمود في الاختبار. فكان هناك من أيّد الفكرة بحماسة ، ولكن في المقابل ، كان هناك من تحفظ عليها ، ودعا إلى ترك مسألة أمن المستوطنين في أيدي سلطات الانتداب. لكن دعاة تشكيل المنظمات المسلحة كسبوا المعركة ، متذرعين بأعمال المقاومة العربية للنشاط الاستيطاني ، سواء إزاء التيار الصهيوني المعارض لتولي مسؤولية الأمن ، أو تجاه سلطات الانتداب ، التي لم تكن ترحب بالفكرة بوجه عام. وبعد تصفية المستعمرات في شمالي «إصبع الجليل» (١٩٢٠ م) ، قدم حاكم الجليل العسكري ، كوكس ، أسلحة للمستوطنين لمواجهة المقاومة العربية المتصاعدة ، وجند الكثيرين منهم في «الشرطة الخاصة» ، كما سمح لمجموعات «هشومير» بالتجول بسلاحها ، تحت حجة حماية المستعمرات. وكذلك ، أدّت الصدامات العنيفة في القدس (١٩٢٠ م) إلى تعزيز موقف المتطرفين من قادة العمل الصهيوني ، مثل زئيف جابوتنسكي وبنحاس روتنبرغ ، للمطالبة بتشكيل مجموعات مسلحة علنية ، بموافقة سلطات الانتداب ، التي لم تستجب لذلك في البداية.
ومع أن السلطات البريطانية في فلسطين لم توافق رسميا على تشكيل تلك المجموعات المسلحة ، إلّا إنها تشكلت ، بصورة أو بأخرى ، في مناطق متعددة : القدس وتل أبيب والجليل. ولأسباب ذاتية ـ ضعف الاستيطان والتباين في وجهات النظر بين قيادته ـ وأخرى موضوعية ـ معارضة السلطات البريطانية والمقاومة العربية ـ فقد ظلت هذه المجموعات تعمل على انفراد ، ومن دون قيادة موحدة. غير أن حزب أحدوت هعفودا ، الذي تأسس سنة ١٩١٩ م ، كحزب عمالي ، وسيطر على الهستدروت بعد تأسيسه ، تبنى في مؤتمره (١٣ ـ ١٥ حزيران / يونيو ١٩٢٠ م) قرارا بتشكيل منظمة قطرية للدفاع ـ هاغاناه. فحلت محل منظمة هشومير ، في إطار الهستدروت ، وأخذت على عاتقها تشكيل منظمة عسكرية سرّية ، تعمل على تأمين منجزات المشروع الصهيوني عن طريق تحويل فلسطين إلى «وطن قومي يهودي».