ففي معاهدة فرساي (٢٨ حزيران / يونيو ١٩١٩ م) ، بين الحلفاء المنتصرين وألمانيا المهزومة ، تقرر إنشاء عصبة الأمم ، ودخل القرار حيز التنفيذ في ١٠ كانون الثاني / يناير ١٩٢٠. وفي ميثاق عصبة الأمم المادة ٢٢ ، أقرّ «نظام الانتداب» ، كشكل جديد من الاستعمار ، وفي مؤتمر سان ريمو (٢٤ نيسان / أبريل ١٩٢٠ م) ، جرى الاتفاق بين فرنسا وبريطانيا على تحديد انتدابيهما على بلاد الشام والعراق بصورة عامة. فأخذت فرنسا سورية ولبنان ، وبريطانيا فلسطين وشرق الأردن والعراق. وحددت هذه الانتدابات على أنها من الفئة (أ) ، التي تضم الأقاليم التي اعترف موقتا باستقلالها في عهد عصبة الأمم. وقد قامت فرنسا وبريطانيا بصوغ صكوك الانتداب على الأقطار العربية المذكورة ، على أن توافق عليها عصبة الأمم بعد ذلك. وأدرجت فلسطين مع الأردن في صك انتداب واحد ، لكنهما عوملا بوصفهما إقليمين منفصلين.
وفي معاهدة سيفر (١٠ آب / أغسطس ١٩٢٠) ، التي أكره العثمانيون على توقيعها ، لكن مصطفى كمال رفضها ، أدخل الحلفاء مطلبين صهيونيين : ١) أن يعهد بإدارة فلسطين ، عملا بأحكام المادة ٢٢ من ميثاق عصبة الأمم إلى دولة منتدبة ؛ ٢) أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ وعد بلفور ، الذي أصدرته الحكومة البريطانية (٢ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩١٧ م) ، وأقرته دول الحلفاء الأخرى بعد ذلك. وعاد الحلفاء إلى تأكيد ذلك في معاهدة لوزان (٢٨ أيلول / سبتمبر ١٩٢٣ م) ، عندما توصلوا إلى اتفاق مع الحكومة الثورية في تركيا ، بقيادة مصطفى كمال «أتاتورك». وبعد ذلك ، أصبح الانتداب ساري المفعول رسميا ، مع أنه مضى أكثر من ثلاثة أعوام على تنفيذه عمليا. وعلى الرغم من الاعتراضات على شرعية الانتداب في عصبة الأمم ، إلّا إن هذه الهيئة التي هيمنت عليها الدول الكبرى ، أقرت صك الانتداب (٢٤ تموز / يوليو ١٩٢٢ م).
وعندما أقرت عصبة الأمم الانتداب البريطاني على فلسطين ، فقد انتهكت بذلك ميثاقها الذي وضعته بنفسها. ذلك أن صك الانتداب الذي تضمن وعد بلفور ، يتناقض والمبدأ الذي اعتمدته العصبة في المادة ٢٢ من ميثاقها. فهذا الصك ينتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال. وهو ينطلق أساسا من هدف مغاير لما أعلن من أن الانتداب يرمي إلى تحقيق رفاهية الشعب الواقع تحته ، إذ أعلن الصك صراحة أن مهمة الانتداب في فلسطين هي تهيئة أوضاعها لإقامة «وطن قومي يهودي» فيها. وفي الواقع ، فإن الأمين العام لعصبة الأمم ، استنكر عمل المجلس الأعلى للحلفاء ، في مذكرة قدمها لمجلس العصبة في ٣٠ تموز / يوليو ١٩٢٠ م ،