بلفور في سياق نسف هذا الاتفاق ، الذي يقضي بوضع فلسطين تحت إدارة دولية. وكان واضحا أنه كي يتحقق هذه الوعد ، لا بدّ من أن تكون فلسطين تحت حكم بريطانيا ، لترعى إنشاء «الوطن القومي اليهودي» فيها. وعندما انتهت الحرب ، كشفت بريطانيا عن نواياها من الاتفاق ، وكتب رئيس حكومتها ، لويد جورج ، (كانون الأول / ديسمبر ١٩١٨ م) ، إلى رئيس حكومة فرنسا ، كليمنصو ، يقول إنه بحسب رأيه فقد اتفاق سايكس ـ بيكو صلاحيته. وتذرع لويد جورج بخروج روسيا من الحرب ، بعد أن كانت طرفا في الاتفاق. وفي البداية رفض كليمنصو هذا الطرح ، لكنه عاد وقبل به لاحقا.
وفي مؤتمر باريس للسلام (١٩١٩ م) ، كان موقف الوفد العربي ، برئاسة فيصل ، حرجا جدا ، وبالتالي في موضع الابتزاز ، فاستغلت بريطانيا ذلك إلى أقصى الحدود. وبداية رفضت فرنسا إدراج الوفد العربي في قائمة الوفود المشاركة في المؤتمر ، انطلاقا من أن إمارة الحجاز لم تكن رسميا طرفا في الحرب ، بحسب ادعاء فرنسا. وكذلك كانت وزارة الخارجية الأميركية قد أسقطتها من لائحة الدول المشاركة في المؤتمر. ولقاء دعم بريطانيا لمشاركة الوفد العربي في المفاوضات ، انتزعت من فيصل تنازلات لمصلحة المطالب الصهيونية في فلسطين ، على أمل أن يحقق الاستقلال للأجزاء الأخرى من الولايات العربية التي كانت تحت الحكم العثماني. لكن هذه الولايات كانت تحت الحكم العسكري البريطاني ، إذ إن الجيش البريطاني هو الذي احتلها ، بينما فرنسا مشغولة على الجبهة الغربية للحرب. واستعملت بريطانيا فيصل ورقة في صراعها مع فرنسا بشأن تغيير بنود اتفاقية سايكس ـ بيكو ، من جهة ، والحصول على دعم أميركا لذلك ، عبر تلبية المطالب الصهيونية ، واعتراف فيصل بذلك ، من جهة أخرى. وهكذا ، ونتيجة الأوضاع التي تشكلت بعد الحرب ، كان الوفد العربي في مؤتمر السلام تحت رحمة بريطانيا ، ولا يملك القدرة على الخروج على إرادتها ، وذلك بغض النظر عن الرغبات الذاتية.
وفي مواجهة هذا الوفد العربي الصغير ، الذي تخندق في معسكر العدو ، فكان «كالأيتام على مأدبة اللئام» ، تجمعت في المؤتمر وفود صهيونية من معظم أقطار العالم ، لكن الأكبر والأكثر أهمية بينها كان الوفد الأميركي. وإذ كان معظم هذه الوفود يحضر المؤتمر بصفة مراقب ، غير أنه كانت لها قنوات مفتوحة على الوفود الرسمية ، بصور متعددة ، وبالتالي امتلكت قدرة هائلة على ممارسة النشاط كمجموعات ضغط متعدد الجوانت والأهداف. وبصورة مفتعلة ، أثارت هذه الوفود مسألة «اللاسامية» ، وخصوصا في دول أوروبا الشرقية ، والأخطار التي تتهدد اليهود في روسيا الشيوعية.