رقعة الأرض التي
يقوم عليها اقتصاديا ، بما في ذلك سكانها الأصليين ، وإنما إلى انتزاع رقعة الأرض
تلك من يد أصحابها الشرعيين واقتلاعهم منها ، لاستخدامها للأغراض التي من أجلها
وجد المشروع الصهيوني.
وللمشروع الصهيوني
كما جرى تصوره منذ انطلاقه أبعاد ثلاثة ـ فلسطيني وعربي ودولي. أمّا البعد
الفلسطيني فهو المتعلق ببناء «القاعدة الآمنة» للمشروع ، سواء للاستيطان أو لآلة
العدوان ، في فلسطين ، قلب الوطن العربي ، والواقعة على تقاطع طرق المواصلات
العالمية ، ولما لها من علاقة بالتراث اليهودي القديم. وبناء عليه ، فإذا كان لهذه
القاعدة أن تقوم وتؤدي مهمتها ، فلا بدّ من تهويد فلسطين ـ الأرض والشعب والسوق.
وهذا يعني اقتلاع شعب فلسطين من وطنه ، وقطع صلته التاريخية بأرضه. أمّا البعد
الثاني فهو العربي ، المتعلق بصلب المشروع الإمبريالي العام إزاء المنطقة والهيمنة
على شعوبها والسيطرة على مواردها ، ودور «الثكنة الاستيطانية» في ذلك. والبعد
الدولي هو المتعلق بالصلة التاريخية بين الصهيونية العالمية والاستعمار الدولي ،
إذ نشأت الأولى في حاضنة الثاني ، وظلت مرتبطة عضويا به ، ولا فكاك لها منه ،
وبالتالي تسخيرها في خدمته على الصعيدين ـ الشرق الأوسطي والكوني.
وتؤكد المصادر
التاريخية أن منظّري الإمبريالية وقادة مشاريعها ، السياسيين والعسكريين ، قد
سبقوا النخب اليهودية في طرح المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين. ولعل أول
الصهيونيين في العصر الحديث هو نابليون بونابرت ، الذي قام بحملته على مصر وفلسطين
في إطار الصراع بين فرنسا وبريطانيا بشأن التوسع الإمبريالي. وفي ٢٠ نيسان / أبريل
١٧٩٩ م ، وجه نابليون نداء إلى يهود آسيا وإفريقيا كلهم ، يحثهم فيه على السير
وراء القيادة الفرنسية ، «حتى تتسنى استعادة العظمة الأصلية لبيت المقدس.» ووعد بأنه سيعيد اليهود إلى «الأرض المقدسة» ، إذا ساعدوا
قواته على إنجاز مهمتها. وفي سنة ١٨٦٠ م ، والتدخل الاستعماري الغربي في بلاد
الشام على أشده ، طرح إرنست لاهاران ، سكرتير نابليون الثالث ، ملك فرنسا ، ضرورة «إعادة
الدولة اليهودية إلى الحياة» ، لفتح طرق عامة ، وأخرى فرعية ، أمام الحضارة
الأوروبية ، وأسواق جديدة أمام منتوجاتها الصناعية.
وكانت بريطانيا هي
الأخرى مرتعا للأفكار الاسترجاعية ، وبالتالي لطرح الدعوات الرامية إلى توطين يهود
أوروبا في فلسطين ، لما يوفره ذلك من حماية
__________________