الرشاوى للتغاضي عن الهجرة اليهودية غير الشرعية.
لكن الموقف العثماني الرسمي لم يحل دون وصول المهاجرين اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيها. فقد أفاد هؤلاء من الثغرات في القوانين والإجراءات ، واستغلوا فساد الموظفين بالرشاوى ، واستندوا إلى دعم قناصل الدول الأوروبية ، للدخول إلى البلاد والإقامة فيها. وفي الواقع ، فإن قناصل الدول الأجنبية كثيرا ما احتجوا على القيود المفروضة على هجرة اليهود إلى فلسطين ، واعتبروها خرقا للامتيازات التي تتمتع بها دولهم. وعبر تدخل هؤلاء القناصل ، كثيرا ما رضخ الموظفون العثمانيون إلى الضغوط ، أو أغروا بالرشاوى ، فتغاضوا عن التجاوزات الصهيونية بالهجرة والاستيطان. وكذلك ، وعلى الرغم من القوانين الصادرة بمنع بيع الأراضي للمهاجرين الجدد ، فقد استطاع هؤلاء ، وعبر السماسرة ، أو عن طريق العقود الوهمية ، من ابتياع مساحات من الأراضي لإقامة المستعمرات. وبنسبة عالية جدا ، كانت تلك الأراضي تخص ملاكين غائبين ، ممن استولى عليها عبر الالتزام ، أو سجلها باسمه لقاء دفع الضريبة المستحقة عليها ، نيابة عن الفلاحين الذين لم تتوفر لديهم الأموال اللازمة لذلك ، وخصوصا بعد صدور القوانين الضريبية على الأراضي ، في إثر مسحها وتسجيلها في عهد التنظيمات ، فتركزت في أياديهم أملاك واسعة. وإزاء فشل الإجراءات العثمانية في إيقاف الهجرة اليهودية ، وبالتالي ازدياد النشاط الصهيوني الاستيطاني ، برزت المقاومة المحلية لهذه الظاهرة. وإذ لم تكن أعمال المقاومة منسقة ومنظمة ، فإنها تفجرت بصورة عفوية ، وبالتواكب مع عمليات شراء الأراضي من الملاكين الغائبين وطرد الفلاحين أو المرابعين عنها ، وإقامة المستعمرات عليها. وكان كلما توسعت عملية الاستيطان وانتشرت في الريف ، عمت المقاومة واتسع نطاقها. فشراء الأراضي عبر السماسرة ، وفي صفقات مشبوهة وسرية ، جعل المواجهة حتمية بين الفلاحين المقيمين عليها ، والمستوطنين الذين عمدوا إلى طردهم منها ، وبالتالي قطع أسباب معيشتهم فجأة ، ومن دون سابق إنذار. فكان طبيعيا أن يقاوم الفلاحون هذه الظاهرة ، ويعمدوا إلى العنف في مواجهة لجوء المستوطنين ، تدعمهم السلطة ، إلى إخلائهم بالقوة. وكانت يد السلطة ثقيلة على الفلاحين في تنفيذ العقود المشبوهة وخفيفة على المستوطنين في تنفيذ تعليمات الدولة وأوامرها. وكما اصطدم المستوطنون مع الفلاحين ، كذلك كان الحال مع القبائل البدوية التي حرمت من مراعي قطعانها. وقام الطرفان ـ الفلاحون والبدو ـ ومن دون تنسيق ، بعمل متكامل في مهاجمة المستعمرات وحرق المزارع ، وتخريب المرافق. وتنضح يوميات المستوطنين الأوائل بأخبار هذه المقاومة ، التي يسمونها أعمال نهب وتخريب.