إلى تهدئة الأوضاع.
وعلى الرغم من محاولات حكومة تركيا الفتاة (١٩١٣ م) امتصاص النقمة العربية على سياستها في العودة إلى مركزية الدولة ، بإصدار «قانون الولايات» الجديد ، الذي وسع من حقوقها السابقة ، إلّا إن حركة مناهضة الحكم التركي لم تتوقف. وفي ٢٨ تشرين الأول / أكتوبر ١٩١٣ م ، عاد عزيز علي المصري ، وأسس جمعية العهد ، من ضباط عرب ، ولكن على قواعد وأسس أكثر سرّية وانضباطا من القحطانية. ووصل أعضاء الجمعية إلى نحو ٤٠٠٠ ضابط ، وكان لها فروع في بغداد والموصل وحلب ودمشق ، ومن أعضائها نوري السعيد وجميل المدفعي. وكانت الجمعية على اتصال ببريطانيا ، بعد أن قطعت الأمل في إصلاح النظام العثماني ، فتحولت إلى العمل على إسقاط السلطة التركية بالقوة ، وجعلت من العراق قاعدة لها. وفي سنة ١٩١٤ م ، ألقي القبض على عزيز علي المصري ، واتهم بالخيانة ، وحكم عليه بالإعدام ، لكن الحكم لم ينفذ بسبب تدخل السفارة البريطانية لمصلحته ، فأطلق سراحه ، وأبعد إلى مسقط رأسه ـ مصر. وبعد تشتت جمعية العهد في إستنبول ، تشكلت جمعيات متعددة في الولايات العربية ، واصلت النضال ضد الحكم العثماني.
وعشية اندلاع الحرب العالمية الأولى (١٩١٤ م) ، كانت أغلبية الجمعيات والمنظمات العربية قد تخلت عن فكرة التوفيق بين أهدافها والحكم التركي ، واقتنعت بضرورة اللجوء إلى الثورة للفكاك من ذلك الحكم المستبد. فالسياسة الشوفينية لحكومة تركيا الفتاة ، لم تترك مجالا للاتفاق. ودخل الطرفان في مسلسل من التصعيد ، زاد في تنامي التوجهات الانفصالية العربية. ففي كانون الثاني / يناير ١٩١٤ م قررت الحكومة التركية إغلاق المنظمات العربية السياسية جميعها ، وعمدت إلى تشتيت الضباط العرب في الوحدات العسكرية لمنع تكتلهم. وكان لذلك أثر عكسي ، إذ قويت المعارضة ، وانتقلت إلى طور الانتفاضة المسلحة. وأجرى قادة الحركة العربية اتصالات بمندوبين بريطانيين وفرنسيين. واتصل شفيق المؤيّد بالسفير الفرنسي في إستنبول ، وطلب تقديم الدعم للثورة العربية. وأجرى عبد الله الهاشمي اتصالات بالمندوب السامي البريطاني في مصر ، كيتشنر ، وطلب تزويد الثوار العرب بالأسلحة ، ومساندة الثورة العربية المقرر تفجيرها في الحجاز. وقد قوبلت هذه الاتصالات بمعارضة أوساط غير قليلة من القوميين العرب الذين رأوا أن التعامل مع الدول الأوروبية لا يقل خطورة عن التعامل مع الحكم التركي. وفضّل هؤلاء الوقوف إلى جانب تركيا ، لأنهم رأوا ، أن الثورة عليها بمساعدة دول أوروبا ، ستؤدي إلى احتلال تلك الدول للبلاد العربية.