بؤرة للتآمر من أجل الوصول إلى الموقع الأول.
لقد تمكن المماليك من إنقاذ مصر في اللحظة الحرجة. فالحملة الصليبية السابعة أفلحت في احتلال دمياط والتقدم نحو القاهرة ، بينما الصالح أيوب على فراش الموت ، والصراعات بين الأيوبيين محتدمة ، والتناحر بين قادة القطاعات المملوكية مستشرية. وفي ساعة الشدة ، مات أيوب. وإزاء الخطر الداهم ، حزم المماليك أمرهم ، واستشرسوا في قتال الفرنجة ، فهزموهم. وبرز في هذا القتال بيبرس (البندقداري) ، المؤسس الحقيقي لدولة المماليك. ومنذ أيام أيوب كان المماليك قد تغلغلوا في مواقع السلطة ، وأصبح الأمر في أيديهم. وبعد موته ، فقدوا الشرعية للحكم ، فنصّبوا طورانشاه ابنه سلطانا اسميا. وعندما عمد هذا إلى كبحهم وفرض هيبته عليهم ، قتلوه ، ونصّبوا شجرة الدر سلطانة ، لمدة ثمانين يوما. وبعدها انتقلت السلطنة إلى المملوك عز الدين أيبك (أتابك العساكر) ، الذي تزوجها ، واستحوذ على السلطنة منها (١٢٥٠ ـ ١٢٥٧ م). وتآمرت شجرة الدر عليه وقتلته ، فرد المماليك على فعلتها بقتلها.
وفي خضم الفوضى بالقاهرة بعد موت الصالح أيوب ، وتولي المماليك السلطة ، واندلاع الصراع بينهم وبين أيوبيي الشام ، حاول لويس التاسع استغلال الفرصة لمصلحته ، بعد أن أطلق سراحه لقاء فدية ، واستقر في عكا ، تشبثا منه بتحقيق حلمه الذي حفزه إلى القيام بحملته على مصر. وعندما سعى الملك الناصر يوسف ، صاحب حلب ، وحفيد صلاح الدين ، للتحالف مع لويس ضد المماليك ، وجدها فرصة ، لكنه عدل عنها بعد أن هدده أيبك بقتل الأسرى الفرنجة لديه ، وعددهم ٠٠٠ ، ١٢. وتقدم الناصر يوسف بمفرده إلى مصر ، فهزمه أيبك واضطره إلى التراجع. فانقلب لويس إلى جانب المماليك ، وعقد معهم معاهدة ضد الناصر يوسف. لكن تدخل الخليفة العباسي بين الأيوبيين والمماليك حال دون القتال بينهما ، وفوّت على لويس الفرصة. واعترف الأيوبيون بحكم المماليك في مصر ، واكتفوا بما لديهم في بلاد الشام (١٢٥٣ م). وإزاء هذه التطورات من جهة ، وخيبة أمله من التحالف مع المغول ، من جهة أخرى ، قرر لويس مغادرة عكا والعودة إلى بلاده (١٢٥٤ م).
لكن الإمارات الأيوبية في بلاد الشام لم تعمّر طويلا. ففي هذه الأثناء كان المغول ، بقيادة هولاكو ، يتقدمون من الشرق في اتجاه بغداد. فحاصروها ودخلوها (١٢٥٨ م) ، وخربوها وقضوا على الخلافة العباسية فيها. وكان دخولهم إليها ضربة قوية للحضارة العربية بصورة عامة ، إذ ارتكبوا الفظائع ، ودمروا المؤسسات وأحرقوا المكتبات ... إلخ. وبعد بغداد ، تقدم المغول إلى بلاد الشام ، فاحتلوا حلب ،