سنة ٢٤٦ ، فقال له : ما تقول في دارنا هذه؟ فقال : إنّ الناس بنوا الدور في الدنيا وأنت بنيت الدنيا في دارك ؛ فاستحسن المتوكّل كلامه.
وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة ٢٤٥ : وفي هذه السنة أمر المتوكّل ببناء الماحوزة وسماّه الجعفري ، وأقطع القوّاد وأصحابه فيها ، وجدّ في بنائها ، وأنفق عليها فيما قيل أكثر من ألفي ألف درهم ، وكان يسمّيها هو وأصحابه المتوكّليّة ، وبنى فيها قصر أسماه لؤلؤ لم ير مثله في علوّه ، وحفر لها نهرا يسقي ما حولها ، فقتل المتوكّل فبطل حفر النهر وأخربت الجعفريّة.
ولا يخفى أنّ المتوكّليّة غير قصر الجعفري كما سنتلو عليك. والماحوزة اسم للمكان الذي بنا به الجعفري فعبارة الجزري لا تخلو عن مسامحة.
قال أبو الفداء في تاريخ المختصر : وفي سنة ست وأربعين ومائتين تحوّل المتوكّل
__________________
ـ راض منّي ، ومتى لم أميّز بين هذين هلكت فأختار العافية على التعرّض للبلاء. فقال المتوكّل : بلغني عنك بذأ في لسانك. فقال : يا أمير المؤمنين ، قد مدح الله تعالى وذمّ ، فقال : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ، *) وقال : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ،) وقال الشاعر :
إذا أنا بالمعروف لم أثن صادقا |
|
ولم أشتم الشكس اللئيم المذمّما |
ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه |
|
وشقّ لي الله المسامع والفما |
قال المتوكّل : فمن أين أنت؟ قال : من البصرة. قال : فما تقول فيها؟ قال : مائها أجاج وحرّها عذاب ، وتطيب في الوقت الذي تطيب فيه جهنّم.
قال : ولمّا أسلم نجّاة ابن سلمة إلى موسى بن عبد الله الأصبهاني ليؤدّي ما عليه من الأموال فتلف في مطالبة فاجتمع بعض الرؤساء بأبي العيناء فقال له : ما عندك من خبر نجاة بن سلمة فقال أبو العيناء : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) فبلغت كلمته موسى فلقي أبا العيناء في الطريق فهدّده ، فقال له أبو العيناء : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ.)
وفي ريحانة الأدب : قال المتوكّل لأبي العيناء : إنّ سعيد بن عبد الملك يضحك عليك ، فقرأ هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ.)
وقيل له : إنّ إبراهيم بن نوح النصراني يقع فيك ولم يرض منك ، فقرأ أبو العيناء : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ،) وله نوادر ولطائف كثيرة.