قال : ولمّا عزم المتوكّل على بناء الجعفري تقدّم إلى أحمد بن إسرائيل بأن يختار رجلا يتقلّد المستغلّات بالجعفري من قبل أن يبنى وإخراج فضول ما بناه الناس من المنازل فسمّى له أبا الخطّاب الحسن بن محمّد الكاتب فكتب أبو الخطّاب الحسن بن محمّد إلى أبي عون لمّا دعا إلى هذا العمل :
إنّي خرجت إليك من أعجوبة |
|
ممّا سمعت به ولمّا تسمع |
سمّيت للأسواق قبل بنائها |
|
ووليت فضل قطائع لم تقطع |
فلمّا انتقل المتوكّل من سامرّاء إلى الجعفري انتقل معه عامّة أهل سامرّاء حتّى كادت تخلو فقال في ذلك أبو علي البصري الحسين بن الضحّاك (١) هذه الأبيات :
إنّ الحقيقة غير ما يتوهّم |
|
فاختر لنفسك أيّ أمر تعزم |
أتكون في القوم الذين تأخّروا |
|
عن حظّهم أم في الذين تقدّموا |
لا تقعدنّ تلوم نفسك حين لا |
|
يجدي عليك تلوّم وتندّم |
أضحت قفارا سرّ من راما بها |
|
إن لم تكن تبكي بعين تسجم |
كانت تظلّم كلّ أرض مرّة |
|
منهم فصارت بعدهنّ تظلّم |
رحل الإمام فأصبحت وكأنّها |
|
عرصات مكّة حين يمضي الموسم |
__________________
(١) أبو علي الحسين بن الضحّاك بن ياسر ، الشاعر البصري الخراساني ، أقام في سامرّاء دهرا طويلا ، كان من الشعراء المتصلين بمجالسة الخلفاء ، اتصل بالأمين في سنة ١٧٨ ولم يزل مع الخلفاء بعده إلى أيّام المستعين ، وتوفّي سنة ٢٥٠ وقد قارب عمره مائة سنة ، ويلقّب بالخليع لكثرة مجونه وخلاعته ، وله في مدح سامرّاء قصيدة أوّلها :
سرّ من رأى أسر من بغداد |
|
فله عن بعض ذكرها المعتاد |
وله قصيدة في مدح الحجّة عجّل الله فرجه سيأتي في الأجزاء الآتية. ومن شعره :
سل بخدّي خدّيك تلق عجيبا |
|
من معان يحار فيها الضمير |
فبخدّيك للربيع رياض |
|
وبخدّي للدموع غدير |
ولا يخفى أنّ الخليع هذا غير الخليع الموصلي الحلّي الشيعي الذي هو من شعراء أهل البيت عليهمالسلام وقد ترجمه العلّامة الأميني في الجزء السادس من الغدير الصفحة ٩.