وذكر عبد الرزّاق بن أحمد بن محمّد المعروف بابن الفوطي في كتابه الحوادث الجامعة في المأة السابعة أنّ المستنصر بالله تقدّم إلى فخر الدين أحمد بن نائب الوزارة مؤيّد الدين القمّي بعمارة مساجد الكرخ لأنّها تهدّمت في غرق بغداد ، فشرع في ذلك فلمّا تكاملت عمارتها رتّب بها الأئمّة والمؤذّنون وتكامل بناء قصر المبارك الذي أمر بعمارته بباب البصرة وتكامل بناء سور الرصافة ، وفي سنة إحدى وثلاثين وستّمائة في جمادى الآخرة تكامل بناء مدرسته المستنصريّة ، وكان الشروع فيها ٦٢٥ سنة ، وأنفق عليها أموالا كثيرة ، وتولّى عمارتها مؤيّد الدين محمّد العلقمي ، ونقل من العلوم الدينيّة والأدبيّة والأدعية ما حمله مائة وستّون حمّالا ، وجعلت في خزانة الكتب.
وفي عمدة الطالب : وكان المستنصر قد أودع خزانته في المستنصرية ثمانين ألف مجلّد.
قال ابن الفوطي : وفي يوم الخميس خامس شهر رجب حضر نصير الدين نائب الوزارة وسائر الولاة والحجّاب والقضاة والمدرّسون والفقهاء ومشايخ الرباط والصوفيّه والوعّاظ والقرّاء والشعراء وجماعة من أعيان التجّار والغرباء إلى المدرسة واختار لكلّ مذهب من المدرّسين وغير المدرّسين اثنان وستّون نفسا ، ورتّب لها مدرّسا ونائبا للتدريس ، وخلع على كلّ واحد منهما جبّة سوداء ، وطرحة كحليته (وهو الطيلسان) وأمطى بمركب جميل وعدة كاملة ثمّ خلع على كلّ واحد من نائبي التدريس قميص مصمّت وعمامة قصب ، ثمّ خلع على جميع المهندسين والمتولّين للعمارة والصنّاع والحاشية وعلى المعيّنين للخدمة بخزانة الكتب ثمّ مدّ سماط في صحن المدرسة أجمع فكان عليه من الأشربة والحلواء وأنواع الأطعمة ما يجاوز حدّ الكثرة ، ثمّ أفيضت الخلع على الحاضرين ، ثمّ أنشد الشعراء المدائح فيها ، ثمّ شرط شروطا للمدرسة :