وجودا ، وكانت هباته وعطاياه أشهر من أن يدلّ عليها ، وأعظم من أن تحصى ، ولو قيل إنّه لم يكن في خلفاء بني العبّاس مثله لصدّق القائل ، وله الآثار الجليلة للمستنصر العبّاسي ، هو السادس والثلاثون من الخلفاء العبّاسيّين ، ولد في صفر سنة ٥٨٨ وأمّه جارية تركيّة ، وبويع بعد أبيه في رجب سنة ٦٢٣ ، وتوفّي سنة ٦٤٠ في بكرة يوم الجمعة عاشر جمادى الثانية ، وكانت خلافته سبع عشرة سنة ، وبويع وهو ابن خمس وثلاثين سنة ، وكان عمره اثنين وخمسين سنة ، وكان مليح الشكل كأبيه ، وكان أشقر ضخما قصيرا ، أقنى الأنف ، رحب الصدر.
وذكره الدميري في حياة الحيوان.
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : إنّ المستنصر نشر العدل في الرعايا ، وبذل الانصاف في القضايا ، وقرّب أهل العلم والدين ، وبنى المساجد والرباط والمدارس والبيمارستانات ، وقام بأمر الجهاد أحسن قيام ، وجمّع الجيوش لنصرة الإسلام وحفظ الثغور ، وافتتح الحصون ، فسار سيرة جميلة ، واجتمعت القلوب على محبّته ، والألسن على مدحه ، وكان جدّه الناصر بالله يقرّبه ويسمّيه القاضي لهديه وعقله وإنكار ما يجده من المنكر ، وكان راغبا في فعل الخير ، مجتهدا في تكثير البرّ ، وله في ذلك آثار جميلة وأنشأ المدرسة المستنصريّة على دجلة من الجانب الشرقيّ ما بني على وجه الأرض أحسن منها ولا أكبر منها وقوفا ، ورتّب فيها الرواتب الحسنة وجعل فيها من المدرّسين أربعة : الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي ، يدرّسون على المذاهب الأربعة ، وعمل فيها بيمارستان ورتّب فيها مطبخا للفقهاء ، ومزملة الماء البارد ، ورتّب لبيوت الفقهاء الحصر والبسط والزيت والورق والخبز وغير ذلك ، ولكلّ فقيه بعد ذلك في الشهر دينارا ، رتّب لهم حماما وهو أمر لم يسبقه إلى مثله ، واستخدم عساكر عظيمة لم يستخدم مثلها أبوه ولا جدّه ، وكان ذا همّه عالية وشجاعة وإقدام عظيم.