ولمّا دخل رسول صاحب مازندران بغداد وكانت تأتيه ورقته كلّ صباح بما عمله في الليل ، فصار يبالغ في التكتّم والورقة تأتيه بذلك ، فأخلى ليلة بامرأة دخلت من باب السرّ فصحبة الورقة بذلك ، وفيها : كان عليكم دواج فيه صوره الفيلة ، فتحيّر وخرج من بغداد وهو لا يشكّ أنّ الخليفة يعلم الغيب.
وأتى رسول خوارزمشاه من خراسان وماوراء النهر وتجبّر وطغى واستعبد الملوك الكبار وأبادهم وقطع خطبة بني العبّاس من بلاده ، وقصد بغداد ووصل إلى همذان فوقع عليهم ثلج عظيم عشرين يوما في غير أوانه ، فقال له بعض خواصّه : إنّ ذلك غضب من الله حيث قصدت بيت الخلافة ، وبلغه أنّ أمما من الترك قد تألّبوا عليه وطمعوا في البلاد لبعده عنها ، فكان ذلك سببا لرجوعه وكفى الناصر شرّه بلا قتال.
وكان صدر جهان قد صار إلى بغداد ومعه جماعة من الفقهاء وواحد منهم لمّا خرج من داره من سمرقند على فرس جميل ، فقال له أهله : لو تركته عندنا لكان أحسن لئلّا يؤخذ منك في بغداد ، فقال : الخليفة لا يقدر أن يأخذه منّي ، فأمر بعض قوّاده أنّه حين يدخل بغداد يأخذ فرسه منه فيهرب في الزحام ، ففعل فجاء الفقيه يتسغيث فلا يغاث ، فلمّا رجعوا من الحجّ خلع على صدر جهان وأصحابه وخلع على ذلك الفقيه وقد مثّله فرسه وعليها سرج من ذهب وطوق وقيل له : لم يأخذ فرسك الخليفة إنّما أخذه من أخذ ، فخرّ مغشيّا عليه وأسجل بكرامته.
وقال الموفّق عبد اللطيف : كان الناصر قد ملأ القلوب هيبة وخيفة ، فكان يرهبه أهل الهند ومصر كما يرهبه أهل بغداد ، فأحيا هيبة الخلافة وماتت بموته ، وكان الملوك والأكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفّضوا أصواتهم هيبة وإجلالا.
وقال ابن النجّار : دانت السلاطين للناصر ، ودخل في طاعته من كان من