المخالفين ، وذلّت له العتاة والطغاة ، وانقهرت بسيفه الجبابرة واندحضت أعداؤه وكثر أنصاره ، وفتح البلاد العديدة ، وملك بن الممالك ما لم تملّكه أحد ممّن تقدّمه من الخلفاء والملوك ، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين ، وكان أشدّ بني العبّاس يتصدّع لهيبته الجبال ، وكان حسن الخلق لطيف الخلق ، كامل الظرف ، فصيح اللسان ، بليغ البيان ، له التوقيعات المسدّدة والكلمات المؤيّدة ، وكانت أيّامه غرّة في وجه الدهر ، ودرّة في تاج الفخر.
وقال ابن واصل : كان الناصر شجاعا ذا فكرة صائبة ، وعقل رصين ، ومكر ودهاء ، وله أصحاب أخبار في العراق وسائر الأطراف يطّلعونه بجزئيّات الأمور ، حتّى ذكر أنّ رجلا عمل ببغداد دعوة وغسل يده قبل أضيافه فأخبر الناصر بذلك وقال : سوء أدب من صاحب الدار وفضول من كاتب المطالعة.
وقال سبط ابن الجوزي : قلّ بصر الناصر في آخر عمره ولم يشعر بذلك أحد من الرعيّة حتّى الوزير وأهل الدار ، وكان له جارية قد علّمها الخطّ بنفسه فكانت تكتب مثل خطّه فتكتب على التوقيع.
وقال الجزري في الكامل : كان الماء الذي يشربه الناصر تأتي به الدوابّ من فوق بغداد بسبعة فراسخ ، ويغلى سبع غلوات كلّ يوم غلوة ثمّ يحبس في الأوعية سبعة أيّام ثمّ يشرب منه ، ومع هذا ما مات حتّى سقي المرقد ودواء يرقد من شربه وشقّ ذكره وأخرج منه الحصى ، ومات منه يوم الأحد سلخ رمضان سنة ٦٢٢.
العمارة الثامنة
للمستنصر العبّاسي في سنة أربعين وستّمائة ، وكان المتولّي للعمارة السيّد الجليل العلّامة أحمد بن طاوس طيّب الله رمسه.