وصلت هذه القصيدة إلى المأمون قرأها حتّى بلغ إلى قوله :
كلّ من في الأرض من عرب |
|
بين باديه إلى حضره |
مستعير منك مكرمة |
|
يكتسبها في يوم مفتخره |
فاستشاط غيضا وغضبا فأمر بإحضار عليّ بن جبلة وقال : ويل على ابن الزانية يقول إنّ جميع المكارم تستعار من أبي دلف فظنّ بأنّا مستعيرون المكارم من أبي دلف وليس لنا مكرمة أصلا؟! فلمّا علم بذلك عليّ بن جبلة فرّ إلى جزيرة موصل فكتب المأمون إلى الآفاق وأمر بأخذه ، فأخذ وأحضروه بين يدي المأمون ، فقال له : أنت الذي مدحت أبا دلف بكيت وكيت؟ فقال عليّ بن جبلة : يا أمير المؤمنين ، هذه الأبيات تقال لأمثال أبي دلف وأمّا أنتم قد خصّكم الله بالشرف الأعلى ، وفيكم جعل الله النبوّة والكتاب ، ومنكم يقتبسون الناس العلم والحكمة في كلّ الأبواب ، وخوّلكم الله الخلافة العظمى ، والإمامة الكبرى على أهل الدنيا ، وذكر من أمثال هذه الكلمات حتّى رضي منه وعفا عنه.
وعن تذكرة عبد الله بن المعتزّ أيضا قال : ومن مآثر أبي دلف وشجاعته أنّ رجلا يقال له قرقور كان يقطع الطريق وكان شجاعا متهوّرا سفّاكا وكان يسكن شعاب الجبال من نواحي أصبهان فعجز عنه أبو دلف ولم يظفر به لأنّه يلوذ بالجبال ويختفي في شعابها ، إلى أن خرج أبو دلف للصيد فاتفق أنّه ركض وراء صيد حتّى بعد عن عسكره ومكانه فإذا بقرقور تمثّل بين يديه مسلّحا راكبا على فرس مع جماعة ، فعلم أبو دلف لو انهزم منهم قتلوه ، فحمل عليهم وقال : يا أصحابي ، أخرجوا من الشعب واحملوا عليهم ، فظنّ قرقور أنّ لأبي دلف كمينا ، فقال في نفسه : نحن لا نبارز أبا دلف منفردا إذا كان مع أصحابه ، فولّى هاربا فلحقه أبو دلف من ورائه وطعنه على ظهره بحيث خرج السنان من صدره فقتله وقتل أصحابه وأراح الناس منه ونصب رأسه على الرمح وأتى به إلى الكرج ، فمدحه الشعراء لذلك وفرحوا في