وقال الياقوت المتوفّى سنة ٦٢٦ : وأمّا الآن فلم يبق من هذا الدير غير سوره ، وفيه رهبان صعاليك وكأنّه خرب بخراب النهروان.
أقول : هذا آخر ما أردنا نقله من كتاب ديارات أبي الحسن الشابشتي ملخّصا ، وتركنا أكثر ما نقله من الديارات والقصور والأبنية الجليلة التي ليس لها أثر في يومنا هذا. وذيّل كتاب الديارات للشابشتي كور كيس عوّاد وأضاف عليه عدّة ديارات التي لم يذكرها الشابشتي. وكتاب الديارات كتاب عميق في فنّه ومفيد لأهله غير أنّا لسنا من أهله ولا يفيدني مطالبه إلّا عبرة وتذكرة في أحوال الماضين كيف صارت قصورهم قبورا ، وجمعهم بورا ، وأملهم عزورا ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أصبحت أصواتهم هامدة ، ورياحهم راكدة ، وأسادهم بالية ، وديارهم خالية ، وآثارهم عافية ، فاستبدلوا بالقصور المشيّدة والنمارق الممهّدة الصخور والأحجار المسندة ، والقبور اللاطئة الملحدة التي قد بني بالخراب فنائها ، فمحلّها مقترب ، وساكنها مغترب ، بين أهل محلّة موحشين ، وأهل فراغ متشاغلين ، لا يستأنسون بالأوطان ، ولا يتواصلون تواصل الحيران ، على ما بينهم من قرب الجار ، ودنوّ الدار ، وكيف يكون بينهم تزاور وقد طحنهم بكلاكله البلى ، وأكلتهم الجنادل والثرى.
أين الملوك الذي عن حفظها غفلت |
|
حتّى سقاها بكأس الموت ساقيها |
تلك المداين في الآفاق خالية |
|
عادت خرابا وذاق الموت بانيها |
أموالنا لذوي الورّاث نجمعها |
|
ودورنا لخراب الدهر نبنيها |
يابن آدم ، تفكّر وقل أين ملوك الدنيا وأربابها الذين عمروا خرابها ، واحتفروا أنهارها ، وغرسوا أشجارها ، ومدّنوا مداينها ، فارقوها وهم كارهون ، وورثها قوم آخرون ، ونحن عمّا قليل لاحقون.
يابن آدم ، أذكر مصرعك وفي قبرك مضجعك وموقفك بين يدي الله ، تشهد