دينار إلى ثلاثمائة أو أربعة ، وكان فيه أعاجيب كما كان في دير باطا ، وتقدّم شيء من ذلك.
وفيه أعجوبة أخرى ما ذكره الشابشتي أيضا تحت بيعة أبي هور وهي أنّ من كانت به خنازير يقصد بيعة أبي هور ليعالج فيأخذ رأس الموضع فيضجعه ويأتيه بخنزير فيرسله على موضع الوجع فيأكل الخنزير الذي فيه لا يتعدّى ذلك الموضع فإذا تنظف الموضع ذرّ عليه من رماد خنزير فعل مثل هذا الفعل من قبل ومن زيت قنديل البيعة فبرأ ثمّ يؤخذ ذلك الخنزير فيذبح ويحرق ويعدّ رماده لمثل هذه الحالة. وعليه سور عظيم يحيط به ، وفي وسطه نهر جار ، وعيده الذي يجتمع الناس إليه عيد الصليب ، وقد وصفه الشعراء ، ولابن جمهور فيه :
يا منزل اللهو بدير قنا |
|
قلبي إلى تلك الربى قد حنا |
سقيا لأيّامك لمّا كنا |
|
نمتار منك لذّة وحسنا |
وفي حاشية على الشابشتي قال : إنّ مار ماري كان من أبناء المائة الأولى للميلاد أسّس دير قنى والسبب في ذلك أنّ امرأة نبيلة تدعى قونى أصيبت بالبرص فشفاها ماري بأعجوبة فقابلت إحسانه بأن وهبته كثيرا من ضياعها وأراضيها لكنّه اقتصر من ذلك كلّه على بيت النار المجوسي فشيّد فيه ديرا هو دير قنى ، ولمّا مات ماري دفن في هذا الدير ، ومن ثمّ أصبح مدفنا لكثير من جثالقة المشرق ، وأنشأت مار ماري مدرسة عرفت به أسكول مارماري ، وممّن نشأ فيها العالم المنطقي متّى بن يونس ذو المؤلّفات الكثيرة ، وأيشو عياب القناعي الذي صار قسّا وبنى دير الأسكول بعد ذلك ، وكانت اللغة العربيّة والسريانيّة واليونانيّة تدرس في هذه المدرسة ، هذا إلى ما كان يدرس فيها من أصناف العلوم والفنون كالنحو والمنطق والشعر والهندسة والموسيقى والفلك والطبّ والفلسفة وعلوم الدين ، وكان فيها خزانة كتب حافلة تضمّ أمّهات التآليف التي كانت متداولة في ذلك العصر.