ابن يوسف الكوفة في سنة أربع وسبعين قيل له : إنّ بين الحيرة والكوفة دير الهند بنت النعمان وهي فيه ينبغي أن نذهب إليها ونرى رأيها وعقلها فإنّها بقيّة ، فركب والناس معه حتّى أتى الدير فقيل لها : هذا الأمير الحجّاج بالباب ، فأطلعت من ناحية الدير فقال لها : يا هند ، ما أعجب ما رأيت؟ قالت خروج مثلي إلى مثلك فلا تغترّيا حجّاج بالدنيا فإنّا أصبحنا ونحن كما قال النابغة :
رأيتك من تعقد له حبل ذمّة |
|
من الناس يأمن سرحه حيث أربعا |
ولم تمس إلّا ونحن أذلّ الناس ، وكلّ إناء امتلأ إلّا انكفأ ، فانصرف الحجّاج وبعث إليها من يخرجها من الدير ويستأديها الخراج ، فأخرجت مع ثلاث جوار من أهلها ، فقالت إحداهنّ في خروجها :
خارجات يسقن من دير هند |
|
مذعنات بذلّة وهوان |
ليت شعري أوّل الحشر هذا |
|
أم محا الدهر عثرة الفتيان |
فشدّ فتى من أهل الكوفة على فرصة فاستنقذهنّ من رجال الشرطة وتغيّب ، فبلغ الحجّاج شعرها وفعل الفتى فقال : إن أتانا فهو آمن وإن ظفرنا به قتلناه ، فأتاه الفتى ، فقال له : ما حملك على ما صنعت؟ قال : الغيرة ؛ فوصله وخلّاه.
وكان سعد بن أبي وقّاص حين فتح العراق أتى هندا إلى ديرها فخرجت إليه فأكرمها وعرض عليها نفسه في حوائجها ، فقالت : سأحيّيك بتحيّة كانت ملوكنا تحيّي بها ، لا مسّتك يد نالها الفقر بعد الغنى ، ولا مسّتك يد نالها غنى بعد فقر ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ، ولا نزع الله عن كريم نعمة إلّا جعلك سببا لردّها عليه. ثمّ جائها المغيرة لمّا ولّاه معاوية الكوفة فاستأذن عليها ، فقيل لها : أمير هذه البلدة بالباب ، فقالت : قولوا له : من أولاد جبلة بن أيهم أنت؟ قال : لا. قالت : فمن ولد المنذر بن ماء السماء؟ قال : لا. قالت : فمن أنت؟ قال : المغيرة بن شعبة الثقفي. قالت : فما حاجتك؟ قال : جئتك خاطبا. قالت : لو جئتني لجمال أو حال لأجبتك