خالد بن عبد الله القسري ، قال : بعث بي المنصور إلى جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين عليهمالسلام ، وأمه أم فروة بنت قاسم بن محمّد بن أبي بكر ، قال : فلما أقبلت به إليه والمنصور بالحيرة (١) وعلونا النّجف ، نزل جعفر بن محمّد عن راحلته ، فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ، فصلّى ركعتين ثم رفع يديه ، قال رزام : فدنوت منه فإذا هو يقول : اللهم بك أستفتح ، وبك أستنجح ، وبمحمّد عبدك ورسولك أتوسّل ، اللهم سهّل حزونته ، وذلل لي صعوبته ، وأعطني من الخير أكثر ما أرجو ، وأصرف عني من الشرّ أكثر مما أخاف. ثم ركب راحلته ، فلما وقف بباب المنصور ، وأعلم بمكانه فتحت الأبواب ورفعت الستور ، فلما قرب من المنصور ، قام إليه فتلقاه وأخذ بيده ، وما شاه حتى انتهى به إلى مجلسه فأجلسه فيه ، ثم أقبل عليه يسأله عن حاله ، وجعل جعفر يدعو له ، ثم قال : قد عرفت ما كان مني في أمر هذين الرجلين ـ يعني محمّدا وإبراهيم ابني (٢) عبد الله بن الحسن ـ وترى كأن بهما وقد استخفا بحقي ، وأخاف أن يشقّا العصا ، وأن يلقيا بين أهل هذا البيت شرا لا يصلح أبدا ، فأخبرني عنهما ، فقد قال له جعفر : والله لقد نهيتهما فلم يقبلا ، فتركتهما كراهة أن أطّلع على أمرهما ، وما زلت حاطبا (٣) في أمرك ، مواظبا على طاعتك ؛ قال : صدقت ، ولكنك تعلم أنني أعلم أن أمرهما لن يخفى عنك ولن تفارقني إلّا أن تخبرني به ، فقال له : يا أمير المؤمنين ؛ أفتأذن لي أن أتلو آية من كتاب الله عليك فيها منتهى عملي وعملي؟ قال : هات على اسم الله ، فقال جعفر : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(٤) قال : فخر أبو جعفر ساجدا ثم رفع رأسه ، فقبّل بين عينيه وقال : حسبك ، ثم لم يسأله بعد ذلك عن شيء حتى كان من أمر إبراهيم ومحمّد ما كان.
قرأت في كتاب محمّد بن عبد الله بن جعفر ، عن أبي معد عدنان بن أحمد بن طولون ، أنا علي بن الأزهر ، نا معاوية بن صالح ، حدّثني منصور بن بشير ، حدّثني رزام
__________________
(١) مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف.
(٢) بالأصل : «إبراهيم بن أبي عبد الله» كذا ، والصواب ما أثبتناه ، انظر خبرهما مع المنصور في الطبري وابن الأثير.
(٣) بالأصل : «خاطيا» والمثبت عن المختصر.
(٤) سورة الحشر ، الآية : ١٢.