ابنه وقتل كاتبه وطبيبه. فلما فعل ذلك غلظ على عيسى بن سابق ، وكان صاحب شرطة دمشق ، وشق ذلك أيضا على جماعة الوجوه من قواده ، وتشاوروا فيما بينهم فقالوا : قد أقدم على أمر غليظ ونحن فقد علم السلطان موضعنا ومكاننا من البلد ، وأنّا من أهله وبناته ، فاتفقوا على أن يقبضوا على ابن إسحاق ويتوثقوا منه ، ويكتبوا إلى السلطان بخبره ، فدخلوا عليه ، فأنكروا ما كان منه فغضب علي بن إسحاق وقال : خذوا عليهم الباب ، فقام إليه عيسى بن سابق وضرب بيده إلى رجله وقال : لمن تقول هذا يا صبي ، ووثبوا بأجمعهم إليه وأوثقوه وكتبوا بخبره إلى الواثق ، وأمّروا عليهم عيسى بن سابق ، فردّ الكتاب بحمله موثقا منه ، فحمل ، وكان محمد بن عبد الملك الزيات يميل إليه ، وابن أبي دواد يميل إلى رجاء بن أبي الضّحّاك ، فلما أحضر علي بن إسحاق ، قال الواثق لابن أبي دوّاد : ما ترى في أمره فغلظ أمره ، وقال : أقدم على قتل رجل بغير حق من عمال السلطان ، وما يجب عليه إلّا أن يقاد به. وكان محمد بن عبد الملك الزيات قد أشار على أبيه إسحاق بن يحيى بأن يقول له أظهر الجنون. فلما أمر الواثق بقتله قال له محمد بن عبد الملك : يا أمير المؤمنين إنه مجنون فتعرف ذلك فوجد كما قال [فقال](١) لابن أبي داود : ما ذا ترى فقال : إن كان ـ يا أمير المؤمنين ـ مجنونا فما يجب عليه القتل ، فأمر بحبسه فأقام على ذلك سنين يقذف من يكلّمه ويحدث في موضعه ويتلطخ به ، فقال محمد بن عبد الملك يوما لأحمد بن مدبر وقد جرى ذكره : يا أحمد امض إليه فتعرف خبره فجاءه وفي وجهه شباك قد عمل له بسبب ما كان يفعله قال : فقال له أي شيء خبرك؟ فقال له : أي شيء تريد مني يا ابن الفاعلة ، قال : فقال له : ايش غرضك كفوا لعرضي فاشتمك ، ولكن حسبك إن حل بك القتل فتخلصت منه بالجنون والإحداث ، ويصير في فمك ولحيتك وترمي الناس به. فلم يزل في الحبس أيام الواثق. فلما مات الواثق أطلق وصارت به لوثة من السواد فلقي يوما الحسن بن رجاء ، وكان رجاء وابنه أصدقاء أبيه إسحاق بن يحيى بن معاذ فسأله أن يقرضه مائة ألف درهم فقال له الحسن : ويلك ما أصفق وجهك تقتل أبي بالأمس وتستقرض مني اليوم مائة ألف درهم ، فقال له : وأي شيء يكون أقتل أنت أبي وخذ مني مائة ألف درهم ، قال : فعجب الحسن منه ووجه إليه بما سأل.
__________________
(١) زيادة منا للإيضاح.