هجا دريد بن الصّمّة عبد الله بن جدعان بأقبح الهجاء وأفحشه (١) ، فوقف عبد الله بن جدعان بالموسم بعكاظ فأتاه دريد بن الصمة فحياه وقال (٢) : هل تعرفني يا دريد؟ قال : لا ، قال : فلم هجوتني؟ قال : ومن أنت؟ قال : عبد الله ، قال : هجوتك لأنك كنت امرأ حسيبا فأحببت أن أضع شعري موضعه ، قال عبد الله : أين كنت هجوت لقد مدحت فحمله على ناقة برحلها وكساه حلّة ، فقال دريد بن الصمة :
إليك ابن جدعان أعملتها |
|
معرّضة السّرى والنّصب |
فلا خفض حتى تلاقي امرأ |
|
جواد الضحى (٣) وحليم الغضب |
وجلدا إذا الحرب مرّت به |
|
كأن (٤) عليها بجزل الحطب |
وجئت البلاد فما إن رأى |
|
شبيه ابن جدعان وسط العرب |
أنبأنا أبو القاسم النسيب وغيره ، عن أبي بكر الخطيب ، أنا أبو منصور محمّد بن علي بن إسحاق الكاتب ، أنا أبو بكر أحمد بن بشر بن سعيد الخرقي ، أنا أبو روق أحمد بن محمّد بن بكر الهزّاني ، نا أبو حاتم سهل بن محمّد بن عثمان السّجستاني ، قال : وعاش دريد بن الصّمّة الجشمي من جشم بن معاوية بن بكر نحوا من مائتي سنة حتى سقط حاجباه على عينيه ، وأدرك الإسلام ولم يسلم ؛ وقتل يوم حنين ، وإنما خرجت به هوازن تتيمن به وقال دريد :
فإن يك رأسي كالثّغامة نسله |
|
يطوف به الولدان أحدب كالقرد |
نسله : ما ينسل من شعره أي يسقط :
رهينة قعر البيت كل عشية |
|
كأني أزق أو أصوت في المهد |
فمن بعد فضل من شباب دفوه |
|
وشعر أثيث حالك اللون مسود |
وإنه لما كبر أراد أهله أن يحبسوه ، فقالوا : إنّا حابسوك ومانعوك من كلام الناس ، وقد خشينا أن تخلّط فيروي ذلك الناس علينا ، ويرون منك علينا عارا ، فقال : أو قد
__________________
(١) بعض ما هجاه فيه ذكر في الأغاني ١٠ / ٢٠ ـ ٢١ ومنها :
هل بالحوادث والأيام من عجب |
|
أم بابن جدعان عبد الله بن كعب |
(٢) الخبر والأبيات في الأغاني ١٠ / ٢١.
(٣) الأغاني : الرضا.
(٤) الأغاني : يعين عليها.