خشيتم ذلك مني؟ قالوا : نعم ، قال : فانحروا جزورا واصنعوا طعاما واجمعوا لي قومي حتى أحدث إليهم عهدا ، فنحروا جزورا وعملوا طعاما ، ولبس ثيابا حسانا وجلس لقومه ؛ حتى إذا فرغوا من طعامهم قال : اسمعوا مني فإني أرى أمري بعد اليوم صائرا لغيري ، قد زعم أهلي أنهم قد خافوا عليّ الوهم ، وأنا اليوم خبير بصير ، إن النصيحة لا تهجم على فضيحة. أما أول ما أنهاكم عنه فأنهاكم عن محاربة الملوك ، فإنهم كالسبيل (١) بالليل لا تدري كيف تأتيه ، ولا من أين يأتيك. وإذا دنا منك الملك واديا فاقطعوا بينكم وبينه واديين ؛ وإن أجزيتم (٢) فلا ترعوا حمى الملوك وإن أذنوا لكم ، فإن من يرعاه غانما لم يرجع سالما ، ولا تحقرنّ شرا فإن قليله كثير ، واستكثروا من الخير ، فإن زهيده كثير ، اجعلوا السلام محياة بينكم وبين الناس. ومن خرق ستركم فارقعوه ، ومن حاربكم فلا تغفلوه ، وروا منه ما يرى منكم واجعلوا عليه حدّكم كله ، ومن ترككم فاتركوه ، ومن أسدى إليكم خيرا فأضعفوه له. وإلّا فلا تعجزوا أن تكونوا مثله. وعلى كل إنسان منكم بالأقرب إليه ، يكفي كل إنسان ما يليه ، إذا التقيتم على حسب فلا تواكلوا فيه ، وما أظهرتم من خير فاجعلوه كبيرا ولا يرى رفدكم صغيرا ، ولا تنافسوا السؤدد ، وليكن لكم سيد ، فإنه لا بد لكلّ قوم من شريف ، ومن كانت له مروءة فليظهرها ، ثم قومها أعلم ، وحسبه بالمروءة صاحبا ، ووسعوا الخير (٣) وإن قلّ وادفنوا الشرّ يمت ، ولا تنكحوا دنيئا من غيركم ، فإنه عار عليكم ، ولا يحتشمن شريف أن يرفع وضيعه بأياماه (٤) ، وإياكم والفاحشة في النساء ، فإنها عار أبد وعقوبة غد ، وعليكم بصلة الرحم فإنها تعظم الفضل ، وتزين النسل ؛ وأسلموا ذا الجريرة بجريرته (٥) ، ومن أبى الحقّ فأعلقوه إياه ، وإذا عنيتم بأمر فتعاونوا عليه تبلغوا ، ولا تحضروا ناديكم السفيه ، ولا تلجّوا الباطل فيلجّ بكم.
أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد المزكّي قراءة عليه ، نا عبد العزيز بن أحمد ـ لفظا ـ أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، وأبو نصر بن الجندي ، قالا : أنا أبو القاسم بن أبي
__________________
(١) في مختصر ابن منظور : كالسيل.
(٢) المختصر : أجدبتم.
(٣) بالأصل : الخبر والصواب عن م.
(٤) الأيامي جمع أيّم ، وهو من لا زوج له.
(٥) بالأصل : «وأسلموا والحريرة بخريرته» كذا وفي م : ذا الحريرة كحريرته ، والصواب عن مختصر ابن منظور ٨ / ١٦٩.