الركوب والنزول ،
فبرز إلى قصر الكبش ، وسكن به. ثمّ إنه حجّ في سنة سبع وتسعين ، فأعطاه
المنصور لاجين سبعمائة ألف درهم ، ورجع من الحجّ ، فأقام بمنزله إلى أن مات ليلة
الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة ، ودفن بجوار السيدة نفيسة في قبّة بنيت له ؛ وهو أوّل
خليفة مات بها من بني العباس. وأرسل نائب السلطنة الأمير سلار خلف كلّ من في البلد من الأمراء والقضاة والعلماء
والصّوفيّة ومشايخ الزوايا والرّبط وغيرهم ؛ حتّى حضروا الصلاة عليه.
وولي الخلافة بعده
بعهد منه ولده أبو الربيع سليمان ، ولقّب المستكفي بالله ، وخطب له على المنابر
بالبلاد المصريّة والشاميّة وسارت البشارة بذلك إلى جميع الأقطار والممالك
الإسلامية.
قال ابن كثير :
قدم البريد من القاهرة سادس جمادى الآخرة ، فأخبر بوفاة أمير المؤمنين الحاكم
ومبايعة المستكفي ، وأنّه حضر جنازته الناس كلّهم مشاة.
فخطب يوم الجمعة
تاسع جمادى الآخرة للخليفة المستكفي بجامع دمشق ، وكتب له تقليد بالخلافة ، وقرىء
بحضرة السلطان والدولة يوم الأحد العشرين من ذي الحجّة ، ولم يكن السلطان أمضى له
عهد والده ؛ حتّى سأل الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد ـ وهو قاضي القضاة يومئذ ـ :
هل يصلح للخلافة أم لا؟ فقال الشيخ تقيّ الدين : نعم يصلح ، وإنّما احتيج إلى ذلك
لأنّه كان صغير السنّ ، لم يبلغ عشرين سنة ، فإنّ مولده في أربع وثمانين وستّمائة
، وكان له ابن أخ أسنّ منه ، فكان ينازعه الأمر ، فلمّا أشار الشيخ باستخلافه ،
أمضى عهد والده ، وهذه صورة العهد :
الحمد لله الذي
رفع المستكفى به لمّا انتصب بشريف همّته للمحلّ الأسمى ، ومنح الأمّة به ربيع خفض
العيش ، وجزم أمرهم على الصّلاح والتوفيق جزما ، وأدام الأئمة من قريش ونظم لآلىء
حكم أحكامهم في جيد الزمان نظما ، وجعل النّاس تبعا لهم في هذا الأمر ، فغيرهم
بالخلافة المعظّمة لا يدعى ولا يسمّى ، فالحاكم الحسن المسترشد المستظهر بذخيرة
الدّين القائم بأمر الله القادر المقتدر المعتضد الموفّق المتوكّل المعتصم الرشيد
المهدي الكامل. من اقتفى لسنن سنّتهم رسما ، استودع
__________________