منيعا ، وهو قفل بلاد مصر ، وصفته أنّه في وسط جزيرة في النيل عند انتهائه إلى البحر ؛ ومن هذا البرج إلى دمياط وهي على شاطىء البحر وحافّة النّيل سلسلة ، ومنه إلى الجانب الآخر وعليه الجسر سلسلة أخرى ، ليمنع دخول المراكب من البحر إلى النيل ، فلا يتمكن من البلاد ، فلمّا ملكت الفرنج هذا البرج شقّ ذلك على المسلمين بديار مصر وغيرها ، ووصل الخبر إلى الملك العادل وهو بمرج الصّفراء (١) ، فتأوّه تأوّها شديدا ، ودقّ بيده على صدره أسفا وحزنا ، ومرض من ساعته مرض الموت.
ثمّ في سنة ستّ عشرة استحوذ الفرنج على دمياط ، وجعلوا الجامع كنيسة لهم ، وبعثوا بمنبره وبالرّبعات ورؤوس القتلى إلى الجزائر ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون! واستمرّت بأيديهم إلى سنة سبع عشرة.
وكان الكامل (٢) عرض عليهم أن يردّ إليه بيت المقدس وجميع ما كان صلاح الدين فتحه من بلاد السواحل ويتركوا دمياط ؛ فامتنعوا من ذلك ؛ فقدّر الله أنّ ضاقت عليهم الأقوات ، فقدمت عليهم مراكب فيها ميرة ، فأخذها الأسطول البحريّ ، وأرسلت المياه إلى أراضي دمياط من كلّ ناحية ، فلم يمكنهم بعد ذلك أن يتصرّفوا في أنفسهم ، وحصرهم المسلمون من الجهة الأخرى ؛ حتّى اضطرّوهم إلى أضيق الأماكن ، فعند ذلك أنابوا إلى المصالحة بلا معارضة ، وكان يوما مشهودا ، ووقع الصّلح على ما أراد الكامل ، ومدّ سماطا عظيما ، وقام راجح الحلّيّ (٣) فأنشد :
هنيئا فإنّ السّعد أضحى مخلّدا |
|
وقد أنجز الرّحمن بالنّصر موعدا |
حبانا إله الخلق فتحا بدا لنا |
|
مبينا وإنعاما وعزّا مؤيّدا |
إلى أن قال :
أعبّاد عيسى إنّ عيسى وحزبه |
|
وموسى جميعا يخدمون محمّدا |
وكان حاضرا حينئذ الملك المعظّم عيسى والملك الأشرف موسى ابنا الملك العادل.
قال أبو شامة : وبلغني أنّه لما أنشد هذا البيت ، أشار إلى الملك المعظّم عيسى والأشرف موسى والكامل محمد ؛ فكان ذلك من أحسن شيء اتّفق ، وتراجعت الفرنج إلى عكّا وغيرها من البلدان. قال الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه : أنشدنا أبو
__________________
(١) في معجم البلدان : مرج الصفر : ويقع قرب دمشق.
(٢) الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد ، وهو ابن الملك العادل. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٥].
(٣) راجح بن اسماعيل الحلي الأديب شرف الدين ، مدح الملوك بمصر والشام والجزيرة ، توفي في شعبان سنة ٦٢٧ ه. [شذرات الذهب : ٥ / ١٢٣].