الأصحاب ، وجيرانا في الاقتراب ، وأعوانا في توزّع الحمل الذي يثقل على الرقاب ؛ فالمسلم أخو المسلم وإن كان عليه أميرا ، وأولى الناس باستعمال الرفق من كان فضل الله عليه كثيرا ؛ وليست الولاية لمن يستجد بها كثرة اللّفيف ، ويتولّاها بالوطء العنيف ؛ ولكنّها لمن يمال عن جوانبه ، ويؤكل من أطايبه ، ولمن إذا غضب لم ير للغضب عنده أثر ، وإذا ألحف في سؤاله تخلّق بخلق الضّجر ، وإذا حضر الخصوم بين يديه عدل بينهم في قسمة القول والنظر ؛ فذلك الذي يكون لصاحبه في أصحاب اليمين ، والذي يدعى بالحفيظ العليم والقويّ الأمين.
ومن سعادة المرء أن تكون ولاته متأدّبين بآدابه ، وجارين على نهج صوابه ؛ وإذا تطايرت الكتب يوم القيامة كانوا حسنات مثبتة في كتابه.
وبعد هذه الوصيّة ، فإنّ هاهنا حسنة هي للحسنات كالأمّ الولود ؛ ولطالما أغنت عن صاحبها إغناء الجود ، وتيّقظت لنصره والعيون رقود ؛ وهي التي تسبغ لها الآلاء ، ولا يتخطّاها البلاء ، ولأمير المؤمنين عناية تبعثها الرحمة الموضوعة في قلبه ، والرغبة في المغفرة والرحمة لما تقدّم وتأخّر من ذنبه. وتلك هي الصدقة التي فضّل الله بعض عباده بمزيّة إفضالها ، وجعلها سببا إلى التعويض عنها بعشر أمثالها ؛ وهو يأمرك أن تتفقّد أحوال الفقراء الّذين قدرت عليهم مادة الأرزاق ، وألبسهم التعفّف ثوب الغنى وهم في ضيق من الإملاق ؛ فأولئك أولياء الله الذين مسّتهم الضرّاء فصبروا ، وكثرت الدنيا في يد غيرهم فما نظروا إليها إذا نظروا. وينبغي لك أن تهيّىء لهم من أمرهم مرفقا ، وتضرب بينهم وبين الفقر موبقا.
وما أطلنا لك القول في هذه الوصيّة إلّا إعلاما بأنّها من المهمّ الذي يستقبل ولا يستدبر ، ويستكثر منه ولا يستكبر ؛ وهذا يعدّ من جهاد النفس في بذل المال ، ويتلوه جهاد العدوّ الكافر في مواقف القتال ؛ وأمير المؤمنين يعرّفك من ثوابه ما يجعل السّيف في ملازمته أخا ، وتسخو له بنفسك إن كان أحد بنفسه سخا. ومن صفاته أنّ العمل المحبوب بفضل الكرامة ، الذي ينمو أجره بعد صاحبه إلى يوم القيامة ، وبه يمتحن طاعة الخالق على المخلوق ، وكلّ الأعمال عاطلة لا خلوق لها وهي المختصّ دونها بزينة الخلوق ، ولو لا فضله لما كان محسوبا بشطر الإيمان ؛ ولما جعل الله الجنّة له ثمنا وليست لغيره من الأثمان ، وقد علمت أنّ العدوّ هو جارك الأدنى ؛ والذي يبلغك وتبلغه عينا وأذنا ، ولا تكون للإسلام نعم الجار ؛ حتّى تكون له بئس الجار. ولا عذر لك في ترك جهاده بنفسك ومالك إذا قامت لغيرك الأعذار. وأمير المؤمنين لا يرضى منك بأن تلقاه مصافحا ، أو تطرق أرضه مماسيا أو مصابحا ، بل يريد أن تقصد البلاد الّتي في يده