ثمّ إنّك خوطبت بالملك ، وذلك خطاب يقضي لصدرك بالانشراح ، ولأملك بالانفساح ، وتؤمر معه بمدّ يدك العليا لا تضمّها إلى الجناح.
وهذه الثلاثة المشار إليها هي التي تكمل بها أقسام السيادة ، وهي الّتي لا مزيد عليها في الإحسان فيقال إنّها الحسنى وزيادة ؛ فإن صارت إليك فانصب لها يوما يكون في الأيّام كريم الأنساب ، واجعله لها عيدا وقل هذا عيد الخلعة والتقليد والخطاب.
هذا ولك عند أمير المؤمنين مكانة بجعلك إليه حاضرا وأنت ناء عن الحضور ، وتضنّ أن تكون مشتركة بينك وبين غيرك والضّنّة من شيم الغيوب ؛ وهذه المكانة قد عرّفتك نفسها وما كنت تعرفها ؛ وما نقول إلّا أنّها لك صاحبة وأنت يوسفها ، فاحرسها عليك حراسة تقضي بتقديمها ، واعمل لها فإنّ الأعمال بخواتيمها.
واعلم أنّك تقلّدت أمرا يفتن به تقيّ الحلوم ، ولا ينفكّ صاحبه عن عهدة الملوم ، وكثيرا ما ترى حسناته يوم القيامة وهي مقسومة بأيدي الخصوم ؛ ولا ينجو من ذلك إلّا من أخذ أهبة الحذار ، وأشفق من شهادة الأسماع والأبصار. واعلم أنّ الولاية ميزان ، إحدى كفّتيه في الجنّة والأخرى في النار ؛ قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا ذرّ ، إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي ، لا تأمّرنّ على اثنين ، ولا تولينّ مال يتيم». فانظر إلى هذا القول النبويّ نظر من لم يخدع بحديث الحرص والآمال ، ومثّل الدنيا وقد سيقت إليك بحذافيرها ، أليس مصيرها إلى زوال؟! والسعيد من إذا جاءته قضى بها أرب الأرواح لا أرب الجسوم ، واتّخذ منها وهي السمّ دواء وقد تتّخذ الأدوية من السموم.
وما الاغتباط بما يختلف على تلاشيه المساء والصباح ، وهو كما أنزلناه من السماء ، فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرّياح.
والله يعصم أمير المؤمنين ، وولاة أمره من تبعاتها التّي لابستهم ولابسوها ، وأحصاها الله ونسوها ، ولك أنت من الله هذا الدعاء حظّ على قدر محلّك من العنابة التي حدثت بصنعك ، ومحلّك من الولاية التي بسطت من ذرعك.
فخذ هذا الأمر الذي تقلّدته أخذ من لم يتعقّبه بالنّسيان ، وكن في رعايته ممن إذا نامت عيناه كان قلبه يقظان ؛ وملاك ذلك كلّه في إسباغ العدل الذي جعله الله ثالث الحديث والكتاب ، وأغنى بثوابه وحده عن أعمال الثواب ؛ وقدّر يوما منه بعبادة ستّين عاما في الحساب ، ولم يأمر به آمر إلّا زيد قوّة في أمره ، وتحصّن به من عدوّه ومن دهره. ثمّ يجاء به يوم القيامة وفي يده كتاب أمان ، ويجلس على منبر من نور عن يمين