من لم يزل ضرّاب هام العدا |
|
حقّا وضرّاب العراقيب |
وسار إلى الفرنج ، فاقتتلوا قتالا عظيما ، فهزم الفرنج ولله الحمد (١) ، وسار أسد الدين بعد كسر الفرنج إلى الإسكندريّة ، فملكها ، واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين ، وعاد إلى الصعيد ، فملكه.
ثمّ إنّ الفرنج والمصريين اجتمعوا على حصار الإسكندريّة ، فصالح شاور وزير العاضد أسد الدين عن الإسكندرية بخمسين ألف دينار ، فأجابه إلى ذلك. وخرج صلاح الدين منها ، وسلّمها إلى المصريين ، وعاد إلى الشام في ذي القعدة ، وقرّر شاور للفرنج على مصر في كلّ عام مائة ألف دينار ، وأن يكون لهم شحنة (٢) بالقاهرة. وسكن القاهرة أكثر شجعان الفرنج ، وتحكّموا فيها بحيث كادوا يستحوذون عليها ، ويخرجون المسلمين منها. فلمّا كانت سنة أربع وستّين ، قدم أمداد الفرنج في محافل هائلة ، فأخذوا مدينة بلبيس ، فقتلوا وأسروا ونزلوا بها (٣) ، وتركوا فيها أثقالهم ، وجعلوها موئلا ومعقلا. ثمّ جاءوا فنزلوا على القاهرة من ناحية باب الشرقيّة ، فأمر الوزير شاور الناس أن يحرقوا مصر (٤) ، وأن ينتقلوا إلى القاهرة. فنهب البلد ، وذهب للناس أموال كثيرة ، وبقيت النّار تعمل في مصر أربعة وخمسين يوما ؛ فعند ذلك أرسل الخليفة العاضد يستغيب بالملك نور الدين ، وبعث إليه بشعور نسائه يقول : أدركني ؛ واستنقذ نسائي من أيدي الفرنج. والتزم له بثلث خراج مصر على أن يكون أسد الدين مقيما عندهم ، ولهم إقطاعات زائدة على الثلث.
فجهّز نور الدين الجيوش وعليهم أسد الدين ومعه صلاح الدين ، فدخلوا القاهرة (٥) وقد رجع الفرنج لمّا سمعوا بوصولهم. وعظم أمر أسد الدين بالديار المصرية ، وقتل الوزير شاور ، قتله صلاح الدين (٦). وفرح المسلمون بقتله ، لأنّه الذي كان يمالئ الفرنج على المسلمين ، وأقيم أسد الدين مكانه في الوزارة ، ولقّب الملك المنصور ؛ فلم يلبث إلا شهرين وخمسة أيّام ، ومات في السادس والعشرين من جمادى الآخرة (٧).
__________________
(١) انظر ذلك في الكامل لابن الأثير : ٩ / ٩٥.
(٢) الشحنة : الشرطة.
(٣) في مستهل صفر. [الكامل لابن الأثير : ٩ / ٩٩].
(٤) في التاسع من صفر. [الكامل لابن الأثير : ٩ / ٩٩].
(٥) سابع جمادى الآخرة. [الكامل لابن الأثير : ٩ / ١٠٠].
(٦) في الكامل لابن الأثير : ٩ / ١٠١ : اتفق صلاح الدين وعز الدين جرديك وغيرهم على قتل شاور.
(٧) توفي يوم السبت الثاني والعشرين.