لينه ورقته. وبها الكتّان ، ومنها يحمل إلى سائر الأرض ، والقراطيس ، وبها من العلم القديم ما ليس ببلد ، كعلم الطبّ اليونانيّ والمساحة ، والنجوم والحساب القبطيّ واللّحون والشّعر الروميّ.
وفيها من سائر الثّمار والأشجار والمشمومات والعقاقير والنّبات والحشائش ما لا يحصى. والعصفور يفرّخ بمصر في كانون ، وليس ذلك في بلد إلّا بها.
وقال الكنديّ : بمصر معدن الزمرّد ، وليس في الدنيا زمرّد إلا معدن بمصر ، ومنها يحمل إلى سائر الدنيا.
قال : وبها معدن الذهب ، يفوق على كلّ معدن.
قال : وفيها القراطيس ، وليس هي في الدنيا إلا بمصر.
وقال غيره : من خصائص مصر القراطيس ، وهي الطوامير (١) ، وهي أحسن ما كتب فيه ، وهو من حشيش أرض مصر ، ويعمل طوله ثلاثون ذراعا وأكثر في عرض شبر. وقيل إنّ يوسف عليهالسلام أوّل من اتخذ القراطيس ، وكتب فيها.
قال الكنديّ : وبها من الطّرز والقصب التّنّيسيّ والشرب والدّبيقيّ ما ليس بغيرها ، وبها الثياب الصوف والأكسية المرعزّ (٢) ، وليس هي في الدنيا إلا بمصر. ويحكى أنّ معاوية لمّا كبر كان لا يدفأ ، فاتّفقوا أنّه لا يدفئه إلا أكسية تعمل في مصر ، من صوفها المرعزّ العسليّ غير مصبوغ ، فعمل له منها عدد ، فما احتاج منها إلّا إلى واحد. وبها طراز البهنسا من السّتور والمضارب ما يفوق ستور الأرض.
وبها من النّتاج العجيب من الخيل والبغال والحمير ما يفوق نتاج أهل الدنيا ، وليس في الدنيا فرس في نهاية الصّورة في العنق غير الفرس المصريّ ، وليس في الدنيا فرس لا يردف غير المصريّ ، وسبب ذلك قصر ساقيه وبلاغة صدره وقصر ظهره. ويحكى أنّ الوليد عزم على إجراء الحلبة ، فكتب إلى الأمصار أن يوجّه إليه بخيار خيل كلّ بلد ، فلمّا اجتمعت عرضت عليه ، فمرّت عليه المصريّة ، فلمّا رآها دقيقة العصب ، ليّنة المفاصل والأعطاف ، قال : هذه خيل ما عندها طائل ، فقال له عمر بن عبد العزيز :
__________________
(١) الطوامير : الصحف.
(٢) المرعز : الزغب الذي تحت شعر العنز ، أو اللّين من الصوف.