الحمد لله الذي وهب هذه الدّولة القاهرة من لدنه وليّا ، وجعل مكان سرّها وشدّ أزرها عليّا ، ورضي لها من لم يزل عند ربّه مرضيّا.
نحمده على نعمه التي أمسى بنا برّه حفيّا ، ونشكره على أن جعل دولتنا جنّة أورث تدبيرها من عباده من كان تقيّا.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نسبّح بها بكرة وعشيّا ، ونصلّي على سيدنا محمد الذي آتاه الله الكتاب ، وجعله نبيّا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتّبع بها صراطا سويّا.
وبعد ، فإنّ أولى ما تنغّمت به ألسنة الأقلام بتلاوة سوره ، وتنعمت أفواه المحابر بالاستمداد لتسطير سيره ، وتناجت الكرام الكاتبون بمجمله ومفصّله ، وتناشدت الرّواة حسن نسيبه وترنّمت الحداة بطيب غزله ، وتهادت الأقاليم تحف معجّله ومؤجّله ، وعنيت وجوه المهارق لصعود كلمه الطيب ورفع صالح عمله ، ما كان فيه شكر لنعمة تمنّها على الدولة سعادة جدودها وحظوظها ، وإفادة مصونها ومحفوظها ، وإرادة مرقومها بحسن الاستبداع وملحوظها ، وحمد لمنحة وافاتها بركة أحسنت للملكة الشريفة مآلا ، وقرّبت لها مثالا ، وأصلحت لها أحوالا ، وكاثرت مدد البحر وكلّما أجرى ذلك ماء أجرت هي مالا ، وإن ضنّت السّحب أنشأت سحبا ، وإن قيل سحّ سحّها ورونق الأرض ذهب ، عوّضت عنه ذهبا ، كم لها في الوجود من كرم وكرامة ، وفي الوجوه من وسوم ووسامة ، كم أحيت مهجا ، وكم جعلت للدولة من أمرها مخرجا ، وكم وسّعت أملا وكم تركت صدر الخزائن ضيّقا حرجا ، وكم استخدمت جيش تهجّد في بطن الليل ، وجيش جهاد على ظهور الخيل. وكم أنفقت في واقف في قلب بين الصفوف والحروب ، وفي واقف بين صفوف المساجد من أصحاب القلوب ، كم سبيل يسّرت ، وسعود كثّرت. كم مخاوف أدبرت حين دبّرت ، وكم آثار في البلاد والعباد أبّرت وأثّرت. وكم وافت ووفّت ، وكم كفت وكفّت ، وكم أعفت وعفت وعفّت. وكم بها موازين للأولياء ثقلت وموازين للأعداء خفّت ، وكم أجرت من وقوف ، وكم عرفت بمعروف. وكم بيوت عبادة صاحب هذه البركات هو محرابها ، وسماء جود هو سيحانها ومدينة علم هو بابها. تثني الليالي على تغليسه إلى المساجد في الحنادس ، والأيام على تهجيره لعيادة مرضى الفقراء وحضور جنائز وزيارة القبور الدوارس. يكتنّ تحت جناح عدله الظاعن والمقيم ، ويشكر يثرب ومكة وزمزم والحطيم. كم عمّت سنن تفقّداته ونوافله. وكم مرّت صدقاته بالوادي فسح الله في مدته فأثنت عليه رماله وبالنادي فأثنت أرامله ، ما زار الشام إلّا أغناه عن مسّه المطر ، ولا صحب سلطانه في سفر إلّا قال : نعم الصّاحب في السّفر والحضر.