السلطان للسّنن الحسنة الّتي يذكر بها إلى يوم القيامة ، ويحميه من السّنن السيّئة.
فهذه نصيحتنا الواجبة علينا للسلطان ، ونرجو من فضل الله تعالى أن يلهمه فيها القبول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتب إليه لمّا رسم بأنّ الفقيه لا يكون منزلا في أكثر من مدرسة واحدة :
بسم الله الرحمن الرحيم. خدمة الشرع ينهون أنّ الله تعالى أمر بالتعاون على البرّ والتقوى ، ونصيحة ولاة الأمور وعامة العلماء ، وأخذ على العلماء العهد ، وتبليغ أحكام الدّين ومناصحة المسلمين ، وحثّ على تعظيم حرماته ، وإعظام شعائر الدّين ، وإكرام العلماء وأتباعهم. وقد بلغ الفقهاء أنّه رسم في حقّهم بأن يغيّروا عن وظائفهم ، ويقطعوا عن بعض مدارسهم ، فتنكّدت بذلك أحوالهم ، وتضرّروا بهذا التضييق عليهم ، وهم محتاجون ، ولهم عيال ، وفيهم الصّالحون والمشتغلون بالعلوم ، وإن كان فيهم طائفة لا يلحقون مراتب غيرهم ؛ فهم منتسبون إلى العلم ويشاركون فيه. ولا يخفى مراتب أهل العلم وثناء الله تعالى عليهم وبيانه مزيّتهم على غيرهم ، وأنّهم ورثة الأنبياء صلوات الله عليهم ؛ فإنّ الملائكة عليهمالسلام تضع أجنحتها لهم ، ويستغفر لهم كلّ شيء حتّى الحوت في الماء.
واللائق بالجناب العالي إكرام هذه الطائفة والإحسان إليهم ومعاضدتهم ، ورفع المكروهات عنهم ، والنظر بما فيه من الرّفق بهم ، فقد ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنّه قال : «اللهم من ولي من أمور أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به». وروى أبو عيسى التّرمذيّ بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ رضياللهعنه ، أنّه كان يقول لطلبة العلم : مرحبا بوصيّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ رجالا يأتونكم يتفقّهون ، فاستوصوا بهم خيرا».
والمسؤول ألّا يغيّر على هذه الطائفة شيء ، وتستجاب دعوتهم لهذه الدولة القاهرة ، وقد ثبت في صحيح البخاري أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟!». وقد أحاطت العلوم بما أجاب به الوزير نظام الملك حين أنكر عليه السلطان صرفه الأموال الكثيرة في جهة طلب العلم ، فقال : أقمت لك جندا لا تردّ سهامهم بالأسحار ؛ فاستصوب فعله ، وساعده عليه. والله الكريم يوفّق الجناب دائما لمرضاته ، والمسارعة إلى طاعته والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وقال بعضهم : لمّا خرج السلطان الظاهر بيبرس إلى قتال التّتار بالشام ، أخذ