وبالآخرة يحار في أمره فلا يدري أين يسير. فيستسلم «للمكتوب» ويلقي بنفسه في أحضان الشوارع يتلقفه واحد ويدفعه آخر ، حتى إذا آوى للفراش وحاسب نفسه على ما فعل في بياض يومه وجد صحيفة المفكرات أكثر بياضا من نهاره عدا أنه أنفق كثيرا من خطواته ودريهماته. ومن الناس من إذا سألته متى يسافر أو متى يرجع لا تجد جوابه إلّا كلمة «لا أدري» ، سأنظر. يمكن كذا الظاهر كذا. وهو من غرايب التفريط وسوء التدبير الذي لا تجده مستعملا في أقل الحاجات عند الأوروباويين.
ومن كانت له معرفة ببعض أهالي البلدة التي يحل بها استفاد منها وأمن غايلتها ، فكلمة المعارف بمعانيها أنفع من المال في سائر الأحوال.
٢. «الوقت المناسب» ـ تحسن زيارة فرانسا وباريز في الربيع لاعتدال الهواء ووجود كافة الأهالي ومباشرتهم سائر الأعمال الاعتيادية.
أما المصيف فهواء المدن الكبرى فيه حار. وأغنياء باريز «وسكان فرانسا كلهم أغنياء بالعلم والمال والتدبير» يغادرونها إلى الجهات الباردة. كما أن بعض الإدارات وديار التمثيل ومجالس السياسة لا تفتح ، إلّا أن أرباب الأسفار للخلاعة والرياضة والمداواة يناسبهم كثيرا تقضية أشهر الصيف بالعدوة الشمالية ، وبينهم وبين لهيب الشمس بشمال إفريقيا ولفح سمومها عرض البحر الأبيض حاجزا حصينا. وتقضية مدة في جهة واحدة من أروبا مما لا يروق في نظري والخريف تعصف فيه الرياح وتتهاطل الأمطار التي تحول دون التجول وتعوق عن رؤية ما يهم ويهيج البحر ، وهو السد الأكبر والطريق المخطر وفي الشتاء ، لا سبيل للإقامة في ممالك أروبا لأبناء إفريقيا الذين يشكون برد الشتاء في مملكتهم ، وهو لا يصل إلى درجة الصفر والجمود إلّا نادرا اللهم إلا نحو الكاف وكسرى :
يمدح الإنسان في الصيف الشتا |
|
فإذا جاء الشتا أنكره |
لا يحب المرء حالا أبدا |
|
قتل الإنسان ما أكفره |
فكيف بهم في أروبا والثلج يدوم فيها متراكما عدة أشهر ، ودرجة الهواء تنزل إلى