الابتعاد عن المصاب به والعليل بجراثيمه. وكل ذلك بإرادة الذي خلق الداء
والدواء ، وأما حديث من أعدى الأول عند السؤال على التفادي من خلط البعير الصحيح
بالأجرب خشية العدوى فهو لائق بالسائل وتعليم له وتنصيص لمصدر الأفعال من الخالق
القدير كيلا تنسب لسواه. وما سؤال السائل عن مثل هذا إلّا لما عرفه واعتيد عند
قومه من تفشي العدوى بممازجة المريض. والحديث الشريف يقول :
فر من المجذوم
فرارك من الأسد. وفي المملكة التونسية طبيبان مسلمان وهما السيد البشير دنكزلي
والسيد حسين بوحاجب فقط ، وطائفة من الممرضين والمهيئين لبعض الأدوية علمهم
المستشفى الصادقي ، فانتفعت بهؤلاء الشبان مستشفيات المملكة.
وحبذا لو اعتنى
أغنياء المسلمين بتوجيه أبنائهم إلى أروبا لتلقي هذا الفن الجليل الذي برع فيه
أوائلنا ودونوا الكتب في أنواع الأمراض وجزئيات العلاج ولم يشحوا بتعليمه على كافة
أجناس البشر. ومن كتب اليونان انجر إلى بغداد وفاض على إفريقية ودخل جزيرة الأندلس
وتسرب بين فجاج جبال البيريني إلى أروبا ، والعلم سريع الانتشار والتنقل كالنور ،
غير أن شمسه لا ينتفع بها إلّا اليقظان ، وكثيرا ما تمر بأقوام وهم نائمون.
في أروبا لا
يستنكف أبناء الأغنياء عن تكبد المشاق في طلب العلوم أو يستغنون عن زيادة الغنى
الذي واسطته الكبرى ووسيلته العظمى هي العلم. فالعلوم العالية ينفق أغنياؤهم فيها
على أبنائهم الأموال الطائلة وذلك ما لا يكون في وسع الفقراء.
وقد تغيرت طرق
الحصول على العلم بنظام المدارس وصرف الأموال الذريعة خلافا لما مضى من فتح أبواب
الدروس في سائر الفنون لكل وارد ، فكان السبق غالبا لأبناء الفقراء الذين يكابدون
عناء الطلب ويفنون زهرة شبابهم في السهر والجد ويبيعون لذة حياتهم بطول الأمد ،
ولو لا أبناء الفقراء لضاع العلم ، أما وقد أصبح قطع المسافات البعيدة والدخول في
المدارس العليا يتوقف على الأموال الذريعة فصار هذا الواجب من متعلقات الأغنياء
خاصة.
كنت اجتمعت في
جنيف بثلاثة من شبان اليهود التونسيين يتعلمون الطب ، فسرني ذلك من أبناء الوطن
بقدر ما ساءني قلة عددهم وخلو جمعهم من مشاركة أبناء الجنس.