هاته المبرة كما هو المقصود من الوقف في الإعانة على طرق سعادة الإنسان ، والأهالي يقدرون هاته المزايا حق قدرها.
خصوصا وقد شاهدنا ما قامت به الحكومة أحسن قيام في عام ١٣٢٩ لمقاومة المرض الوبائي الذي هاجم المملكة وطارت شرارات ناره إلى عدة نقط من الإيالة ، فجرى عليه الحصار في أماكن ظهوره وكبسته رجال الحكومة ، ولصديقنا السيد الهادي المرابط عامل القيروان يد طولى في ذلك واعتناء غريب ، كما حاربته حكماء الطب فقضى نحبه في أمد وجيز بعد أن رمى بسهام بلائه عددا من النفوس البريئة.
فلو أتى هذا العدو الفتاك والمملكة على الحالة القديمة لأباد الأمة وخرب الإيالة. ولا زالت السنون التي طمى فيها سيله سابقا على المملكة تاريخ أبناء الجيل الماضي ومن غرائب ما يقصونه ، سواء عن مشاهدة أو سماع على جيل أول القرن الرابع عشر.
ذكر أبو إسحاق الرقيق القيرواني المؤرخ الشهير والكاتب الشاعر أن عام ٣٩٥ كانت فيه شدة عظيمة انكشف فيها المستور ، وهلك فيها الفقير ، وذهب مال الغني ، وغلت الأسعار وعدمت الأقوات ، وجلا أهل البادية عن أوطانهم ، وخلت أكثر المنازل فلم يبق لها وارث ، ومع هذه الشدة وباء وطاعون هلك فيه أكثر الناس من غني ومحتاج ، فلا ترى متصرفا إلّا في علاج ، أو عيادة مريض أو آخذا في جهاز ميت ، أو تشييع جنازة وانصراف من دفن. وكان الضعفاء يجمعون إلى باب سلم فتحفر لهم أخاديد ويدفنون المائة والأكثر في الاخديد الواحد. فمات من طبقات الناس وأهل العلم والتجار والنساء والصبيان ما لا يحصي عددهم إلّا خالقهم تعالى. وخلت المساجد بمدينة القيروان وتعطلت الأفران والحمامات ، وكان الناس يوقدون أبواب بيوتهم وخشب سقوفهم ، وجاء خلق من أهل الحاضرة والبادية إلى جزيرة صقلية وكانت الرمانة بدرهمين للمريض في ذلك الوقت ، والفروج بثلاثين درهما ، وقيل إن أهل البادية أكل بعضهم بعضا. وفي سنة ٣٩٦ كثر الخصب بإفريقية ورخصت الأسعار وارتفع الوباء عن الناس.
ذكر لي راوية القيروان وواسع الخبر والبيان الشيخ سيدي محمد صدام باش مفتي القيروان ، أن عام ١٢٨٤ كان الأمر فيه على هاته الحالة في القيروان. ولا خلاف في نفع المقاومة وحصول الوقاية بالمداواة وصحة التحصن من مثل هذا المرض بحمية