وفيها كانت غزوة تبوك (١) وهي غزوة العسرة لوقوعها في زمن الحر والبلاد مجدبة والناس في عسرة ، فأنفق أبو بكر جميع ماله ، وأنفق عثمان نفقة عظيمة ، وسار النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، إلى تبوك واستخلف عليا ، رضياللهعنه ، فقال علي : أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي (٢) ، وتخلف عبد الله بن أبي المنافق (٣) ومن تبعه من أهل النفاق ، وتخلف ثلاثة من الصحابة وهم : كعب بن مالك (٤) ومرارة بن الربيع (٥) وهلال بن أمية (٦) ولم يكن لهم عذر.
ثم رجع النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، إلى المدينة بعد أن أقام بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ، وكان إذا قدم من سفره بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاءه (٧) المخلفون ، فطفقوا يعتذرون إليه ، ويحلفون (٨) ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل منهم رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، علانيتهم ، وبايعهم ، واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله (٩) ، ثم جاءه كعب ، وكان تقدمه مرارة وهلال ، فسألهم عن تخلفهم ، فاعترفوا أن لا عذر لهم ، فأمرهم بالمضي حتى يقضي الله فيهم ، ونهى النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، المسلمين عن كلامهم من بين من تخلف عنه ، فاجتنبهم الناس ، فلبثوا على ذلك خمسين ليلة. ولما مضت أربعون ليلة من الخمسين أمرهم النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، باعتزال نسائهم ، وجاءت امرأة هلال لرسول الله (١٠) ، صلىاللهعليهوسلم ، تستأذنه في خدمته ، فأذن لها من غير أن يقربها ، فلما كملت لهم خمسون ليلة من حين نهي رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، عن كلامهم ، أذن لهم رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، بتوبة الله عليهم ، وذهب الناس يبشرونهم ، وجاء كعب إلى النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، فسلم عليه (١١) ، فقال له ، وهو يبرق وجهه من
__________________
(١) تبوك : قرية بين وادي القرى والشام بها عين ماء ونخل ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٦ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٥٣ ؛ الحميري ١٣٠.
(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢١.
(٣) ينظر : المصدر نفسه ٤ / ١٢٠.
(٤) كعب بن مالك بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن الخزرج ، كنيته أبو عبد الله ، ومات سنة ٥٠ ه / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٧٣ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢١٨ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٣٠٢.
(٥) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٩٣.
(٦) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٩٣ ؛ ابن خياط ، الطبقات ١٥١.
(٧) جاءه أ ج د ه : جاء ب.
(٨) ويحلفون ب د ه : ـ أ ج.
(٩) إلى الله أ ج د : + تعالى ب ه.
(١٠) لرسول الله أ : إلى رسول الله ب : رسول الله ج ه : إلى النبي ، صلىاللهعليهوسلم د.
(١١) فسلم عليه أ ج ه : وسلم عليه ب : ـ د / / فقال له ب : ـ أ ج د ه.