وخرج كل من بالمدينة (١) ، وفرح الناس به ، وكانت غيبة السلطان عن دمشق أربع سنين في الجهاد ، فحصل لهم الفرح والسرور ، وكان يوما مشهودا لدخوله.
وجلس السلطان في دار العدل ونظر في أحوال الرعية وأزال المظالم ، وأقام بهاء الدين قراقوش إلى أن خلص أصحابه من الأسر ، ثم توجه إلى مصر ، واطمأن الناس في أوطانهم ، وخرجت السنة والأمر على ذلك.
ودخلت سنة ٥٨٩ ه (٢)(٣) والسلطان مقيم بدمشق في داره ورسل الأمصار واردون عليه وهو يجلس في كل يوم وليلة بين أخصائه ويجالسه العلماء والفضلاء والظرفاء والأدباء ، وسار إلى الصيد شرقي دمشق وصحبته الملك العادل ، ثم عاد يوم الاثنين حادي عشر صفر ووافق عود الحاج الشامي ، فخرج لتلقيه ، فلما رآه فاضت عيناه لفوات الحج ، وسألهم عن أحوال مكة وأميرها وسر بسلامة الحاج ، ووصل إليه من اليمن ولد أخيه سيف الإسلام (٤) فتلقاه وأكرمه ، وتوجه الملك العادل إلى الكرك.
ذكر وفاة السلطان رحمة الله عليه (٥)
جلس ليلة السبت سادس عشر صفر في مجلسه على عادته وحوله خواصه منهم العماد الكاتب حتى مضى من الليل ثلثه وهو يحدثهم ويحدثونه ، ثم صلى وانصرفوا. فلما بات لحقه كسل عظيم وغشيه نصف الليل حمى صفراوية ، وأصبحوا يوم السبت وجلسوا في الإيوان لانتظاره ، فخرج بعض الخدام (٦) ، وأمر الملك الأفضل أن يجلس موضعه على السماط وتطير الناس من تلك الحال ودخلوا إليه ليلة الأحد لعيادته.
وأخذ المرض في التزايد وحدث به في السابع رعشة وغاب ذهنه ، واشتد الإرجاف في البلد ، / / وغشي الناس من الحزن والبكاء عليه ما لا يمكن شرحه واشتد به المرض ليلة الثاني عشر من مرضه فتوفي ، رحمه الله تعالى ، صبح تلك الليلة وهي المسفرة عن نهار الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة ٥٨٩ ه (٧) بعد
__________________
(١) من بالمدينة أ ب ج : من في المدينة ب د.
(٢) ٥٨٩ ه / ١١٩٣ م.
(٣) سنة ٥٨٩ أ ج ه : سنة تسع وثمانين وخمسمائة ب د.
(٤) ينظر : أبو شامة ، الذيل ٨٦ ؛ اليافعي ٣ / ٤٩٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٦٨.
(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
(٦) الخدام أ ب ج د : الخدم ه.
(٧) سنة ٥٨٩ أ ه : سنة تسع وثمانين وخمسمائة ب ج د.