وكان قبل ذلك في سنة إحدى عشرة خلت من ملكه سارت أمه هيلانة ، المتقدم ذكرها ، إلى القدس في طلب خشبة المسيح (١) التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها ، ولما وصلت إلى القدس أخرجت خشبة الصليب ، وأقامت لذلك عيد الصليب ، وبنت كنيسة قمامة (٢) على القبر الذي تزعم النصارى أن عيسى دفن فيه (٣) ، وبنت المكان المقابل لقمامة (٤) المعروف (٥) يومئذ بالدركاه ، وكنيسة بيت لحم والكنيسة بطور زيتا بمصعد سيدنا عيسى ، عليهالسلام (٦) ، وكنيسة الجيسمانية التي بها قبر مريم ، عليهاالسلام ، وغير ذلك ، وخربت هيكل بيت المقدس إلى الأرض وهو الذي كان في المسجد ، وأمرت أن يلقى في موضعه قمامات البلد وزبالته (٧) ، فصار موضع الصخرة الشريفة (٨) مزبلة.
وبقي الحال على ذلك حتى قدم عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، وفتح بيت المقدس الشريف (٩) على ما سنذكره عند ذكر الفتح العمري إن شاء الله تعالى. قال المشرّف عن كعب قال : كانت قبة صخرة بيت المقدس طولها في السماء اثني عشر ميلا (١٠) وكان أهل أريحا وعمواس يستظلون بظلها ، وكان عليها ياقوتة تضيء بالليل كضوء الشمس ، فإذا كان النهار طمس الله ضوءها ، فلم تزل كذلك حتى أتت الروم فغلبوا عليها. فلما صارت في أيديهم قالوا : تعالوا نبني عليها أفضل من البناء الذي كان عليها فبنوا عليها على قدر طولها في السماء وزخرفوه بالذهب والفضة. فلما فرغوا من البناء دخله سبعون ألفا من الرهبان (١١) وشمامسهم في أيديهم مجامر الذهب والفضة وأشركوا فيها فانقلبت عليهم فما خرج منهم أحد.
فلما رأى ملك الروم ذلك جمع البطارقة والشمامسة ورؤساء الروم فقال لهم :
__________________
(١) المسيح أ ج ه : عيسى عليهالسلام ب : شبيهه المسيح د.
(٢) هي كنيسة القيامة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ، ١ / ١٨٩.
(٣) ينظر : المسعودي ١ / ٣١٧ ، ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩.
(٤) لقمامة أ ج د ه : للقمامة ب.
(٥) المعروف ب ج د ه : المعروفة أ / / بالدركاه ب ج د ه : الزردكانه أ.
(٦) عليهالسلام ب ج د ه : ـ أ.
(٧) وزبالته أ ب د : زبالاتها ج ه.
(٨) الشريفة ب : ـ أ ج د ه.
(٩) الشريف ب : ـ أ ج د ه.
(١٠) هذا العلو للسماء من المستحيلات في هذا العصر وهذا القول ينفيه ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد ، ينظر : ابن عبد ربه ، العقد ٦ / ٢٦٣.
(١١) الرهبان أ : رهبانهم ب ج د ه.