واعلم أن حال المفعول فيما ذكرنا كحال الفاعل ، أعني أنّ تقديم اسم المفعول يقتضي أن يكون الإنكار في طريق الإحالة والمنع من أن يكون ، بمثابة أن يوقع به مثل ذلك الفعل ، فإذا قلت : «أزيدا تضرب؟» ، كنت قد أنكرت أن يكون «زيد» بمثابة أن يضرب ، أو بموضع أن يجترأ عليه ويستجاز ذلك فيه ، ومن أجل ذلك قدّم «غير» في قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) [الأنعام : ١٤] ، وقوله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) [الأنعام : ٤٠] ، وكان له من الحسن والمزيّة والفخامة ، ما تعلم أنه لا يكون لو أخّر فقيل : «قل أأتّخذ غير الله وليّا» و «أتدعون غير الله؟» وذلك لأنّه قد حصل بالتقديم معنى قولك : «أيكون غير الله بمثابة أن يتّخذ وليّا؟ وأ يرضى عاقل من نفسه أن يفعل ذلك؟ وأ يكون جهل أجهل وعمى أعمى من ذلك؟» ، ولا يكون شيء من ذلك إذا قيل : «أأتخذ غير الله وليا» ، وذلك لأنه حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط ، ولا يزيد على ذلك ، فاعرفه.
وكذلك الحكم في قوله تعالى : (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٢٤] ، وذلك لأنهم بنوا كفرهم على أنّ من كان مثلهم بشرا ، لم يكن بمثابة أن يتّبع ويطاع ، وينتهى إلى ما يأمر ، ويصدّق أنه مبعوث من الله تعالى ، وأنهم مأمورون بطاعته ، كما جاء في الأخرى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا) [إبراهيم : ١٠] ، وكقوله عزوجل : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) [المؤمنون : ٢٤].
فهذا هو القول في الضرب الأول ، وهو أن يكون «يفعل» بعد الهمزة لفعل لم يكن.
وأما الضرب الثاني ، وهو أن يكون «يفعل» لفعل موجود ، فإن تقديم الاسم يقتضي شبيها بما اقتضاه في «الماضي» ، من الأخذ بأن يقرّ أنه الفاعل ، أو الإنكار أن يكون الفاعل.
فمثال الأول قولك للرجل يبغي ويظلم : «أأنت تجيء إلى الضعيف فتغصب ماله؟» ، «أأنت تزعم أن الأمر كيت وكيت؟» وعلى ذلك قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩].
ومثال الثاني : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢].