قولي نعم ، ونعم إن قلت واجبة |
|
قالت : عسى وعسى جسر إلى نعم |
فترى لها لطفا وخلابة (١) وحسنا ليس الفضل فيه بقليل.
ومما هو أصل في شرف الاستعارة ، أن ترى الشاعر قد جمع بين عدّة استعارات ، قصدا إلى أن يلحق الشكل بالشكل ، وأن يتمّ المعنى والشّبه فيما يريد ، مثاله قوله امرئ القيس : [من الطويل]
فقلت له لمّا تمطّى بصلبه |
|
وأردف أعجازا وناء بكلكل (٢) |
لما جعل للّيل صلبا قد تمطّى به ، ثنّى ذلك فجعل له أعجازا قد أردف بها الصّلب ، وثلّث فجعل له كلكلا قد ناء به ، فاستوفى له جملة أركان الشّخص ، وراعى ما يراه الناظر من سواده ، إذا نظر قدّامه ، وإذا نظر إلى خلفه ، وإذا رفع البصر ومدّه في عرض الجوّ.
واعلم أن هاهنا أسرارا ودقائق ، لا يمكن بيانها إلّا بعد أن تقدّم جملة من القول في «النظم» وفي تفسيره والمراد منه ، وأيّ شيء هو؟ وما محصوله ومحصول الفضيلة فيه؟ فينبغي لنا أن نأخذ في ذكره ، وبيان أمره ، وبيان المزيّة التي تدّعى له من أين تأتيه؟ وكيف تعرض فيه؟ وما أسباب ذلك وعلله؟ وما الموجب له؟
وقد علمت إطباق العلماء على تعظيم شأن «النظم» وتفخيم قدره ، والتنويه بذكره ، وإجماعهم أن لا فضل مع عدمه ، ولا قدر لكلام إذا هو لم يستقم له ، ولو بلغ في غرابة معناه ما بلغ ، وبتّهم (٣) الحكم بأنه الذي لا تمام دونه ، ولا قوام إلّا به ، وأنه القطب الذي عليه المدار ، والعمود الذي به الاستقلال. وما كان بهذا المحلّ من الشّرف ، وفي هذه المنزلة من الفضل ، وموضوعا هذا الموضع من المزيّة ، وبالغا هذا المبلغ من الفضيلة ، كان حري بأن توقظ له الهمم ، وتوكّل به النفوس ، وتحرّك له الأفكار ، وتستخدم فيه الخواطر ، وكان (٤) العاقل جديرا أن لا يرضى من نفسه بأن
__________________
(١) أن تخلب المرأة قلب الرجل بألطف القول وأخلبه. ا. ه اللسان / خلب / (١ / ٣٦٤) والخلابة استخدمها المؤلف على المجاز.
(٢) انظر معلقته المشهورة في ديوانه (ص ١١٧) ، وجاء بلفظ «بجوزه» بدلا من «بصلبه» والبيت في الإيضاح بتحقيق د. هنداوي (ص ٢٦٥) ، والتبيان للطيبي بتحقيقنا كذلك (ص ٣٢٠). يقال : ناء بحمله ينوء نوءا : نهض بجهد ومشقة ومنها قوله تعالى : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ). والكلكل : الصدر. والبيت في وصف «ليل المهموم».
(٣) معطوفة على «إطباق العلماء» ، والبتّ : القطع.
(٤) معطوف على : «كان حري».