إذا أتيت أبا مروان تسأله |
|
وجدته ، حاضراه الجود والكرم |
فقوله : «حاضراه الجود» ، جملة من المبتدأ والخبر كما ترى ، وليس به «واو» ، والموضع موضع حال ، ألا تراك تقول : «أتيته فوجدته جالسا» ، فيكون «جالسا» حالا ، ذاك لأن «وجدت» في مثل هذا من الكلام لا تكون المتعدّية إلى مفعولين ، ولكن المتعدّية إلى مفعول واحد كقولك : «وجدت الضّالّة» إلا أنه ينبغي أن تعلم أن لتقديمه الخبر الذي هو «حاضراه» تأثيرا في معنى الغنى عن «الواو» ، وأنه لو قال : «وجدته ، الجود والكرم حاضراه» لم يحسن حسنه الآن ، وكان السبب في حسنه مع التقديم ، أنه يقرب في المعنى من قولك : «وجدته حاضره الجود والكرم» أو «حاضرا عنده الجود والكرم».
وإن كانت الجملة من فعل وفاعل ، والفعل مضارع مثبت غير منفي ، لم يكد يجيء بالواو ، بل ترى الكلام على مجيئها عارية من «الواو» ، كقولك : «جاءني زيد يسعى غلامه بين يديه» ، وكقوله : [من البسيط]
وقد علوت قتود الرّحل يسفعني |
|
يوم قديديمة الجوزاء مسموم (١) |
وقوله : [من الخفيف]
ولقد أغتدي يدافع ركني |
|
أحوذيّ ذو ميعة إضريج (٢) |
وكذلك قولك : «جاءني زيد يسرع» ، لا فصل بين أن يكون الفعل لذي الحال ، وبين أن يكون لمن هو من سببه ، فإن ذلك كلّه يستمر على الغنى عن «الواو» ، وعليه التنزيل والكلام ، ومثاله في التنزيل قوله عزوجل : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر : ٦] ، وقوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل : ١٧ ـ ١٨] ، وكقوله عزّ اسمه : (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأعراف : ١٨٦].
فأما قول ابن همام السّلولي : [من المتقارب]
فلمّا خشيت أظافيره |
|
نجوت ، وأرهنهم مالكا (٣) |
__________________
(١) البيت لعلقمة بن عبدة ، وهو علقمة بن عبدة بن النعمان بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة ، شاعر جاهلي مجيد ، كان من صدور الجاهلية وفحولها ، والبيت في المفضليات رقم (١٢٠) ص (٤٠٣). وقتود الرحل : خشب الرحل وأدواته ، يسفعني : يحرقني ويغير لوني من شمسه وحرّه ، الجوزاء : برج من أبراج الشمس يشتد الحر بنزولها فيه ، مسموم : شديد السموم ، وهي الريح الحارة. وروايته في المفضليات : «يوم تجيء به الجوزاء» بدل «يوم قديديمة الجوزاء».
(٢) سبق تخريجه (ص ٧٦).
(٣) البيت لعبد الله بن همام السلولي في الإيضاح (١٦٥) ، وإصلاح المنطق (٢٣١ ، ٢٤٩) ، وخزانة الأدب (٩ / ٣٦) ، والشعر والشعراء (٢ / ٦٥٥) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٢٨٥).