وقوله أيضا : [من الكامل]
إنّي عشيّة رحت وهي حزينة |
|
تشكو إليّ صبابة لصبور |
وتقول : بت عندي ، فديتك ، ليلة |
|
أشكو إليك ، فإنّ ذاك يسير |
غرّاء مبسام ، كأنّ حديثها |
|
درّ تحدّر نظمه منثور |
محطوطة المتنين ، مضمرة الحشا ، |
|
ريّا الرّوادف ، خلقها ممكور (١) |
وقول الأقيشر (٢) في ابن عمّ له موسر ، سأله فمنعه وقال : كم أعطيك ما لي وأنت تنفقه فيما لا يغنيك؟ والله لا أعطيتك. فتركه حتى اجتمع القوم في ناديهم وهو فيهم ، فشكاه إلى القوم وذمّه ، فوثب إليه ابن عمه فلطمه ، فأنشأ يقول : [من الطويل]
سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه ، |
|
وليس إلى داعي النّدى بسريع |
حريص على الدّنيا ، مضيع لدينه ، |
|
وليس لما في بيته بمضيع (٣) |
فتأمّل الآن هذه الأبيات كلّها ، واستقرها واحدا واحدا ، وانظر إلى موقعها في نفسك ، وإلى ما تجده من اللّطف والظّرف إذا أنت مررت بموضع الحذف منها ، ثم فليت النّفس عمّا تجد ، وألطفت النظر فيما تحسّ به. ثم تكلّف أن تردّ ما حذف الشاعر ، وأن تخرجه إلى لفظك ، وتوقعه في سمعك ، فإنك تعلم أن الذي قلت كما قلت ، وأن ربّ حذف هو قلادة الجيد ، وقاعدة التّجويد ، وإن أردت ما هو أصدق في ذلك شهادة ، وأدلّ دلالة ، فانظر إلى قول عبد الله بن الزّبير يذكر غريما له قد ألحّ عليه : [من الطويل]
عرضت على زيد ليأخذ بعض ما |
|
يحاوله قبل اعتراض الشّواغل |
فدبّ دبيب البغل يألم ظهره |
|
وقال : تعلّم ، إنّني غير فاعل |
تثاءب حتّى قلت : داسع نفسه |
|
وأخرج أنيابا له كالمعاول (٤) |
__________________
(١) الأبيات لجميل بثينة ، وهي في الأغاني (٨ / ١٥٦) ، وقالها عند ما شكا زوج بثينة إلى أبيها وأخيها إلمام جميل بها ، فوجهوا إلى جميل فأعذروا إليه وشكوه إلى عشيرته وتوعدوه وإياهم فلامه أهله وعنّفوه وقالوا : استخلص إليهم ونبرأ منك ومن جريرتك فأقام مدة لا يلم بها فلقي ابني عمه وقا ومسعدة فشكا إليهما ما به وأنشدهما هذه الأبيات.
(٢) الأقيشر : هو المغيرة بن عبد الله بن معرض الأسدي عاصر الإسلام وتوفي في خلافة عبد الملك عام ٨٠ ه. انظر الأغاني (١ / ٢٥١).
(٣) البيتان في الإيضاح (٣٩) ، والمفتاح (٢٦٦) ، ولطائف التبيان (٤٥) ، والإشارات والتنبيهات : (٣٤) ، والخزانة (٢ / ٢٨١) ، ومعاهد التنصيص (٣ / ٢٤٢).
(٤) من مجموع شعره (١١٥) ، عن الأغاني (١٤ / ٢٤٠ ، ٢٤١) ، وغريم عبد الله يقال له : «ذئب» كما ذكر صاحب الأغاني.