ـ يعنى حنين السحاب وسجره (١) ، وهذا لا يكون عن نبرة واحدة ، ولا رزمة مختلسة ، إنما يكون مع البدء فيه والرّجع ، وتثنّى الحنين على صفحات السمع ـ وقول ابن الرومى :
وحديثها السحر الحلال لو انه |
|
لم يجن قتل المسلم المتحرّز |
إن طال لم يملل وإن هى أوجزت |
|
ودّ المحدّث أنها لم توجز |
شرك القلوب ، وفتنة ما مثلها |
|
للمطمئنّ ، وعقلة المستوفز |
فذكر أنها تطيل تارة ، وتوجز أخرى ، والإطالة والإيجاز جميعا إنما هما فى كل كلام مفيد مستقلّ بنفسه ، ولو بلغ بها الإيجاز غايته لم يكن له بدّ من أن يعطيك تمامه وفائدته ، مع أنه لا بدّ فيه من تركيب الجملة ، فإن نقصت عن ذلك لم يكن هناك استحسان ، ولا استعذاب ؛ ألا ترى إلى قوله :
* قلنا لها قفى لنا قالت قاف (٢) *
وأنّ هذا القدر من النطق لا يعذب ، ولا يجفو ، ولا يرقّ ، ولا ينبو ، وأنه إنما يكون استحسان القول واستقباحه فيما يحتمل ذينك ، يؤدّيهما إلى السمع ، وهو أقلّ ما يكون جملة مركّبة. وكذلك قول الآخر ـ فيما حكاه سيبويه ـ : «ألا تا» فيقول مجيبه : «بلى فا». فهذا ونحوه مما يقلّ لفظه ، فلا يحمل حسنا ولا قبحا ؛ ولا طيبا. ولا خبثا. لكن قول الآخر «مالك بن أسماء» :
أذكر من جارتى ومجلسها |
|
طرائفا من حديثها الحسن |
__________________
(١) السجر فى الأصل : صوت الناقة إذا مدّت حنينها فى إثر ولدها. وقد يستعمل فى صوت الرعد ، وهو المراد هنا.
(٢) من الرجز وهو للوليد بن عقبة بن أبى معيط. وكان عاملا لعثمان رضى الله عنه على الكوفة ، فاتهم بشرب الخمر فأمر الخليفة بشخوصه إلى المدينة ، وخرج فى ركب ، فنزل الوليد يسوق بهم ، فقال :
قلت لها : قفى ، فقالت : قاف |
|
لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف |
والنشوات من معتق صاف |
|
وعزف قينات علينا عزاف |
كذا وجدناه فى شواهد الشافية ٢٧١ والأغانى ١٣١ / ٥ (فقالت) ورواية ابن جنى بغير الفاء. والبيت بلا نسبة فى لسان العرب (وقف) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٦٧٩ ، وتاج العروس (سين).