باب فى اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين
فى الحروف والحركات والسكون
غرضنا من هذا الباب ليس ما جاء به الناس فى كتبهم ؛ نحو وجدت فى الحزن ، ووجدت الضالّة ، ووجدت فى الغضب ، ووجدت أى علمت ؛ كقولك : وجدت الله غالبا ، ولا كما جاء عنهم من نحو (الصدى) : الطائر يخرج من رأس المقتول إذا لم يدرك بثأره ، و (الصدى) : العطش ، و (الصدى) : ما يعارض الصوت فى الأوعية الخالية ، و (الصدى) من قولهم : فلان صدى مال ؛ أى حسن الرعية له ، والقيام عليه. ولا (هل) بمعنى الاستفهام ، وبمعنى قد ، و (أم) للاستفهام وبمعنى بل ، ونحو ذلك ؛ فإن هذا الضرب من الكلام ـ وإن كان أحد الأقسام الثلاثة عندنا التى أوّلها اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين ، (ويليه) اختلاف اللفظين واتّفاق المعنيين ـ كثير فى كتب العلماء ، وقد تناهبته أقوالهم ، وأحاطت بحقيقته أغراضهم. وإنما غرضنا هنا ما وراءه من القول على هذا النحو فى الحروف ، والحركات ، والسكون ، المصوغة فى أنفس الكلم من ذلك الحروف.
قد يتّفق (لفظ الحروف ويختلف معناها) وذلك نحو قولهم : درع دلاص ، وأدرع دلاص ، وناقة هجان ، ونوق هجان (١). فالألف فى دلاص فى الواحد بمنزلة الألف فى ناقة كناز ، وامرأة ضناك ، و (الألف فى دلاص) فى الجمع بمنزلة ألف ظراف ، وشراف. وذلك لأن العرب كسّرت فعالا على فعال ، كما كسرت فعيلا على فعال ؛ نحو كريم ، وكرام ، ولئيم ولئام. وعذرها فى ذلك أن فعيلا أخت فعال ، ألا ترى أن كلّ واحد منهما ثلاثىّ الأصل ، وثالثه حرف لين ، وقد اعتقبا أيضا على المعنى الواحد ، نحو كليب وكلاب ، وعبيد وعباد ، وطسيس وطساس ؛ قال الشاعر :
* قرع يد اللعّابة الطسيسا (٢) *
__________________
(١) هجان : أى بيضاء كريمة.
(٢) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ٧١ ، ولسان العرب (طسس) ، وجمهرة اللغة ص ١٣٣. ـ قرع يد اللعابة الطسيسا : أى أن النوم يميل الرءوس ويلعب بها ، كما يلعب اللاعب بالطسيس.