باب فى الاستحسان (١)
وجماعه أن علّته ضعيفة غير مستحكمة ؛ إلا أنّ فيه ضربا من الاتّساع والتصرّف.
من ذلك تركك الأخفّ إلى الأثقل من غير ضرورة ؛ نحو قولهم : الفتوى ، والبقوى ، والتقوى ، والشروى ، ونحو ذلك ؛ ألا ترى أنهم قلبوا الياء هنا واوا من غير استحكام علّة أكثر من أنهم أرادوا الفرق بين الاسم والصفة. وهذه ليست علّة معتدّة ؛ ألا تعلم كيف يشارك الاسم الصفة فى أشياء كثيرة لا يوجبون على أنفسهم الفرق بينهما فيها. من ذلك قولهم فى تكسير حسن : حسان ، فهذا كجبل وجبال ؛ وقالوا : فرس ورد ، وخيل ورد ؛ فهذا كسقف ، وسقف. وقالوا : رجل غفور ، وقوم غفر ، وفخور وفخر ؛ فهذا كعمود وعمد. وقالوا : جمل بازل ، وإبل بوازل ، وشغل شاغل ، وأشغال شواغل ؛ فهذا كغارب وغوارب ، وكاهل وكواهل. ولسنا ندفع أن يكونوا قد فصلوا بين الاسم والصفة فى أشياء غير هذه ؛ إلا أن جميع ذلك إنما هو استحسان لا عن ضرورة علّة ، وليس بجار مجرى رفع الفاعل ، ونصب المفعول ؛ ألا ترى أنه لو كان الفرق بينهما واجبا لجاء فى جميع الباب ؛ كما أن رفع الفاعل ونصب المفعول منقاد فى جميع الباب.
فإن قلت : فقد قال الجعدىّ :
حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا |
|
كأنّنا رعن قفّ يرفع الآلا (٢) |
__________________
(١) الاستحسان من مصطلح أصول الفقه. والاستحسان : هو ترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس. التعريفات ص ١٩.
(٢) البيت من البسيط ، وهو للنابغة الجعدى فى ديوانه ص ١٠٦ ، وأدب الكاتب ص ٢٨ ، وأمالى القالى ٢ / ٢٢٨ ، وجمهرة اللغة ص ٦٦٦ ، وسمط اللآلى ص ٨٥٠ ، ولسان العرب (أول) ، وتاج العروس (أول) ، والمعانى الكبير ص ٨٨٣ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ١٥٨ ، والمحتسب ٢ / ٢٧. ويروى : كفّ بدلا من : قفّ. والرعن : أول كل شيء ، والقف : حجارة بعضها فوق بعض ، وهو جبل غير أنه ليس بطويل فى السماء. والآل : السراب.