باب فى العلة وعلة العلة
ذكر أبو بكر (١) فى أوّل أصوله هذا ؛ ومثّل منه برفع الفاعل. قال : فإذا سئلنا عن علّة رفعه قلنا : ارتفع بفعله ، فإذا قيل : ولم صار الفاعل مرفوعا؟ فهذا سؤال عن علّة العلّة.
وهذا موضع ينبغى أن تعلم منه أنّ هذا الذى سماه علّة العلّة إنما هو بتجوّز فى اللفظ ، فأمّا فى الحقيقة فإنّه شرح وتفسير وتتميم للعلّة ؛ ألا ترى أنه إذا قيل له : فلم ارتفع الفاعل قال : لإسناد الفعل إليه ، ولو شاء لابتدأ هذا فقال فى جواب رفع زيد من قولنا قام زيد : إنما ارتفع لإسناد الفعل إليه ، فكان مغنيا عن قوله : إنما ارتفع بفعله ، حتى تسأله فيما بعد عن العلّة التى ارتفع لها الفاعل. وهذا هو الذى أراده المجيب بقوله : ارتفع بفعله ، أى بإسناد الفعل إليه.
نعم ولو شاء لما طله فقال له : ولم صار المسند إليه الفعل مرفوعا؟ فكان جوابه أن يقول : إن صاحب الحديث أقوى الأسماء ، والضمّة أقوى الحركات ، فجعل الأقوى للأقوى. وكان يجب على ما رتّبه أبو بكر أن تكون هنا علّة ، وعلّة العلّة ، وعلّة علّة العلّة. وأيضا فقد كان له أن يتجاوز هذا الموضع إلى ما وراءه فيقول : وهلا عكسوا الأمر فأعطوا الاسم الأقوى الحركة الضعيفة ؛ لئلا يجمعوا بين ثقيلين. فإن تكلّف متكلّف جوابا عن هذا تصاعدت عدّة العلل ، وأدّى ذاك إلى هجنة القول وضعفة القائل به ، وكذلك لو قال لك قائل فى قولك : قام القوم إلا زيدا : لم نصبت زيدا؟ لقلت : لأنه مستثنى ؛ وله من بعد أن يقول : ولم نصبت المستثنى؟ فيكون من جوابه ؛ لأنه فضلة ؛ ولو شئت أجبت مبتدئا بهذا فقلت : إنما نصبت زيدا فى قولك : قام القوم إلا زيدا ؛ لأنه فضلة. والباب واحد ، والمسائل كثيرة. فتأمّل وقس.
فقد ثبت بذلك أن هذا موضع تسمّح (فيه أبو بكر) أو لم ينعم تأمّله.
__________________
(١) هو ابن السراج.