ومن حديث يزيدنى مقة |
|
ما لحديث الموموق من ثمن (١) |
أدلّ شيء على أن هناك إطالة وتماما ، وإن كان بغير حشو ولا خطل ؛ ألا ترى إلى قوله : «طرائفا من حديثها الحسن» فذا لا يكون مع الحرف الواحد ، ولا الكلمة الواحدة ، بل لا يكون مع الجملة الواحدة ، دون أن يتردّد الكلام ، وتتكرر فيه الجمل ، فيبين ما ضمّنه من العذوبة ، وما فى أعطافه من النّعمة واللدونة (٢) ؛ وقد قال بشّار :
وحوراء المدامع من معدّ |
|
كأن حديثها ثمر الجنان |
ومعلوم أنّ من حرف واحد ، بل كلمة واحدة ، بل جملة واحدة ، لا يجنى ثمر جنة واحدة ، فضلا عن جنان كثيرة. وأيضا فكما أنّ المرأة قد توصف بالحياء والخفر ، فكذلك أيضا قد توصف بتغزّلها ودماثة حديثها ، ألا ترى إلى قول الله سبحانه : (عُرُباً أَتْراباً. لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) [الواقعة : ٣٧ ، ٣٨] وأن العروب فى التفسير هى المتحبّبة إلى زوجها (٣) ، المظهرة له ذلك ؛ بذلك فسره أبو عبيدة. وهذا لا يكون مع الصمت ، وحذف أطراف القول ، بل إنما يكون مع الفكاهة والمداعبة ؛ وعليه بيت الشمّاخ :
ولو أنى أشاء كننت جسمى |
|
إلى بيضاء بهكنة شموع (٤) |
قيل فيه : الشماعة هى المزح والمداعبة. وهذا باب طويل جدّا ، وإنما أفضى بنا إليه ذرو (٥) من القول أحببنا استيفاءه تأنّسا به ، وليكون هذا الكتاب ذاهبا فى جهات
__________________
(١) البيتان من المنسرح ، وهما بلا نسبة فى لسان العرب (طرف) ، وتاج العروس (طرف).
(٢) اللدونة : اللين ؛ واللدن : اللين من كل شيء من عود أو حبل أو خلق. اللسان : (لدن).
(٣) للسيوطى بحث نفيس فى العروب ومرادفاتها فى كتابه الشيّق (الأترنج فى وصف الغنج).
(٤) البيت من الوافر ، وهو للشماخ فى ديوانه ص ٢٢٣ ، وكتاب العين ١ / ٢٦٧ ، وتاج العروس (شمع) ، وشرح أشعار الهذليين ص ١٥ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (حشا) ، والمخصص ٤ / ٢. والبهكنة : الجارية الخفيفة الروح ، الطيبة الرائحة ، المليحة الحلوة. اللسان (بهكنة) والشموع : الجارية اللعوب الضحوك الآنسة ، والشمع والشّموع والشّماع والشماعة والمشمعة : الطرب والضحك والمزاح واللعب. والشماع : اللهو واللعب. اللسان (شمع).
(٥) أى طرف.