باب فى جواز القياس على ما يقل
ورفضه فيما هو أكثر منه
هذا باب ظاهره ـ إلى أن تعرف صورته ـ ظاهر التناقض ؛ إلا أنه مع تأمّله صحيح. وذلك أن يقل الشىء وهو قياس ، ويكون غيره أكثر منه ، إلا أنه ليس بقياس.
الأوّل قولهم فى النسب إلى شنوءة : شنئىّ ؛ فلك ـ من بعد ـ أن تقول فى الإضافة إلى قتوبة : قتبىّ ، وإلى ركوبة : ركبيّ ، وإلى حلوبة : حلبىّ ؛ قياسا على شنئىّ. وذلك أنهم أجروا فعولة مجرى فعيلة ؛ لمشابهتها إيّاها من عدّة أوجه : أحدها أن كل واحدة من فعولة وفعيلة ثلاثىّ ؛ ثم إن ثالث كل واحدة منهما حرف لين يجرى مجرى صاحبه ؛ ألا ترى إلى اجتماع الواو والياء ردفين وامتناع ذلك فى الألف ، وإلى جواز حركة كل واحدة من الياء والواو مع امتناع ذلك فى الألف ، إلى غير ذلك. ومنها أن فى كل واحدة من فعولة وفعيلة تاء التأنيث. ومنها اصطحاب فعول وفعيل على الموضع الواحد ؛ نحو أثيم وأثوم ، ورحيم ورحوم ، ومشىّ ومشوّ (١) ، ونهىّ عن الشىء ونهوّ.
فلمّا استمرّت حال فعيلة وفعولة هذا الاستمرار ، جرت واو شنوءة مجرى ياء حنيفة ؛ فكما قالوا : حنفىّ قياسا قالوا : شنئىّ أيضا قياسا.
قال أبو الحسن : فإن قلت : إنما جاء هذا فى حرف واحد ـ يعنى شنوءة ـ قال : فإنه جميع ما جاء. وما ألطف هذا القول من أبى الحسن! وتفسيره أن الذى جاء فى فعولة هو هذا الحرف ، والقياس قابله ، ولم يأت فيه شيء ينقضه. فإذا قاس الإنسان على جميع ما جاء ، وكان أيضا صحيحا فى القياس مقبولا ، فلا غرو ولا ملام.
وأمّا ما هو أكثر من باب شنئىّ ، ولا يجوز القياس عليه ؛ لأنه لم يكن هو على
__________________
(١) المشىّ والمشوّ : الدواء المسهل.