باب فى تلاقى المعانى ، على اختلاف الأصول والمبانى
هذا فصل من العربيّة حسن كثير المنفعة ، قوىّ الدلالة على شرف هذه اللغة.
وذلك أن تجد للمعنى الواحد أسماء كثيرة ، فتبحث عن أصل كلّ اسم منها ، فتجده مفضى المعنى إلى معنى صاحبه.
وذلك كقولهم : (خلق الإنسان) فهو (فعّل من خلّقت الشىء ، أى ملّسته ؛ ومنه صخرة خلقاء للملساء. ومعناه أن خلق الإنسان هو ما قدّر له ورتّب عليه ، فكأنه أمر قد استقرّ ، وزال عنه الشكّ. ومنه قولهم فى الخبر : (قد فرغ الله من الخلق والخلق). والخليقة فعيلة منه.
وقد كثرت فعيلة فى هذا الموضع. وهو قولهم : (الطبيعة) وهى من طبعت الشىء (أى قرّرته) على أمر ثبت عليه ، كما يطبع الشىء كالدرهم والدينار ، فتلزمه أشكاله ، فلا يمكنه انصرافه عنها ولا انتقاله.
ومنها (النحيتة) وهى فعيلة من نحتّ الشىء [أى] ملّسته وقرّرته على ما أردته منه. فالنحيتة كالخليقة : هذا من نحتّ ، وهذا من خلّقت.
ومنها (الغريزة) وهى فعيلة من غرزت كما قيل لها طبيعة ؛ لأن طبع الدرهم ونحوه ضرب من وسمه ، وتغريزه بالآلة التى تثبّت عليه الصورة. وذلك استكراه له وغمز عليه كالطبع.
ومنها (النقيبة) وهى فعيلة من نقبت الشىء ، وهو نحو من الغريزة.
ومنها (الضريبة) وذلك أن الطبع لا بدّ معه من الضرب ؛ لتثبت [له] الصورة المرادة.
ومنها (النحيزة) هى فعيلة من نحزت الشىء أى دققته ؛ ومنه المنحاز : الهاوون ؛ لأنه موضوع للدفع به والاعتماد على المدقوق ؛ قال :
* ينحزن من جانبيها وهى تنسلب (١) *
__________________
(١) الانسلاب : المضاء فى السير.