أى تقطّع كلامها ، ولا تكثّره ؛ كما قال ذو الرمّة :
لها بشر مثل الحرير ومنطق |
|
رخيم الحواشى ، لا هراء ولا نزر (١) |
فقوله : رخيم الحواشى : أى مختصر (٢) الأطراف ، وهذا ضدّ الهذر والإكثار ، وذاهب فى التخفيف والاختصار ، قيل : فقد قال أيضا : ولا نزر ؛ وأيضا فلسنا ندفع أنّ الخفر يقلّ معه الكلام ، ويحذف فيه أحناء المقال ، إلا أنه على كل حال لا يكون ما يجرى منه وإن قلّ ونزر أقلّ من الجمل ، التى هى قواعد الحديث ، الذى يشوق موقعه ، ويروق مستمعه. وقد أكثرت الشعراء فى هذا الموضع ، حتى صار الدالّ عليه كالدالّ على المشاهد غير المشكوك فيه ؛ ألا ترى إلى قوله :
وحديثها كالغيث يسمعه |
|
راعى سنين تتابعت جدبا! |
فأصاخ يرجو أن يكون حيا |
|
ويقول من فرح : هيا ربّا! (٣) |
__________________
ـ أى على سمتها وجهة قصدها ، وقوله إن تخاطبك ، يروى : إن تحدثك ، وتبلت ـ بكسر اللام ـ أى تقطع الكلام من الحياء ، وروى تبلت ـ بفتح اللام ـ أى تنقطع وتسكت. يريد شدة استحيائها فهى لا ترفع رأسها كأنها تطلب شيئا فى الأرض ، والبيت من قصيدة مفضلية. وانظر شرح المفضليات لابن الأنبارى ٢٠١ ، وانظر الكامل بتحقيقى ط دار الكتب العلمية.
(١) البيت من الطويل ، وهو لذى الرّمة فى ديوانه ص ٥٧٧ ، وجمهرة اللغة ص ١١٠٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٣ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٩١ ، وشرح المفصل ١ / ١٦ ، ولسان العرب (هرأ) ، (نزر) ، والمحتسب ١ / ٣٣٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٨٥ ، وبلا نسبة فى أساس البلاغة ص ٤٨٢ (هرأ) وتذكرة النحاة ص ٤٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٦٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٥٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٣٣ ، وشرح المفصل ٢ / ١٩.
(٢) كذا فسر ابن جنى «رخيم الحواشى» وكأنه ذهب بالترخيم إلى معناه فى النحو ، وهو حذف آخر الكلمة ففهم منه معنى الاختصار. والمعروف فى رخامة الصوت لينه. ويقول شارح الديوان : «رخيم الحواشى : أى لين نواحى الكلام» وانظر الديوان المطبوع فى أوربة ٢١٢ (نجار). قلت : وما ذهب إليه ابن جنّى ليس ببعيد ، ولعله أوجه ، ويرشح له قوله بعده : لا هراء ولا نزر. وما أظن أن المعنى الذى ذكره الشيخ النجار قد خفى على ابن جنى ، ولكنه قد اختار ما رآه أولى ، أو اختار أحد الوجهين فى المعنى مما يصلح للاستشهاد لما هو بصدده.
(٣) الثانى منهما من الكامل ، وهو بلا نسبة فى أمالى القالى ١ / ٨٤ ، والبيان والتبيين ١ / ٢٨٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٣ ، ولسان العرب (هيا) ، ومغنى اللبيب ص ٢٠ ، وفى معجم شواهد النحو الشعرية (الرقم ٢٢٢) أنه ورد منسوبا للراعى فى ألف باء للبلوى ٢ / ٤٧٨ ، ولم أجده فى ديوانه.