مستحدثة لم تكن فى الوقف ، وإنما اضطرّ إليها الوصل.
وأما من رواه «منون أنتم» فأمره مشكل. وذلك أنه شبّه من بأىّ ، فقال :
(منون أنتم) على قوله : أيّون أنتم ، وكما حمل هاهنا أحدهما على الآخر كذلك جمع بينهما فى أن جرّد من الاستفهام كلّ منهما ؛ ألا ترى إلى حكاية يونس عنهم : ضرب من منّا ؛ كقولك : ضرب رجل رجلا ، فنظير هذا فى التجريد له من معنى الاستفهام ما أنشدناه من قول الآخر :
وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت |
|
إلىّ وأصحابى بأىّ وأينما (١) |
فجعل «أى : اسما للجهة فلما اجتمع فيها التعريف والتأنيث منعها الصرف.
وأما قوله : «وأينما» ففيه نظر. وذلك أنه جرّده أيضا من الاستفهام كما جرّد أىّ ، فإذا هو فعل ذلك احتمل هنا من بعد أمرين : أحدهما أن يكون جعل (أين) علما أيضا للبقعة ، فمنعها الصرف للتعريف والتأنيث كأىّ ، فتكون الفتحة فى آخر «أين» على هذا فتحة الجرّ وإعرابا ، مثلها فى مررت بأحمد. فتكون (ما) على هذا زائدة ، و (أين) وحدها هى الاسم كما كانت (أىّ) وحدها هى الاسم. والآخر أن يكون ركّب (أين) مع (ما) فلمّا فعل ذلك فتح الأوّل منهما كفتحة الياء من حيّهل ، لمّا ضمّ حىّ إلى هل ، فالفتحة فى النون على هذا حادثة للتركيب ، وليست بالتى كانت فى أين وهى استفهام ؛ لأن حركة التركيب خلفتها ونابت عنها. وإذا كانت فتحة التركيب تؤثّر فى حركة الإعراب فتزيلها إليها ؛ نحو قولك : هذه خمسة ، معرب ، ثم تقول فى التركيب : هذه خمسة عشر ، فتخلف فتحة التركيب ضمّة الإعراب ، على قوة حركة الإعراب ، كان إبدال حركة البناء من حركة البناء أحرى بالجواز ، وأقرب فى القياس. وإن شئت قلت : إن فتحة النون فى قوله : (بأىّ وأينما) ، هى الفتحة التى كانت فى أين ، وهى استفهام من قبل تجريدها ، أقرّها بحالها بعد التركيب على ما كانت عليه ، ولم يحدث خالفا لها من فتحة
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لحميد بن ثور فى ديوانه ص ٧ (الحاشية) ، ولسان العرب (أين) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٩ ، ولسان العرب (منن) ، (أيا).أدلجوا : ساروا من آخر الليل. وانظر اللسان (دلج).