يسلم على الله بمثل معصيته» (١).
نعم ، فعمليّة بناء قصر عظيم قد تستغرق سنوات عديدة ، ولكن عملية تدميره قد لا تستغرق سوى لحظات بتفجير قنبلة قويّة.
وهنا وجب إخراج هذا الموجود الخبيث من صفوف الملأ الأعلى وملائكة العالم العلوي ، فخاطبه البارئ عزوجل بالقول : (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ).
الضمير (منها) في عبارة (فَاخْرُجْ مِنْها) إمّا أنّه إشارة إلى صفوف الملائكة ، أو إلى العوالم العلويّة ، أو إلى الجنّة ، أو إلى رحمة الله.
نعم ، فيجب إخراج هذا الخبيث من هنا ، فهذا المكان مكان الطاهرين والمقرّبين ، وليس بمكان المذنبين والعاصين ذوي القلوب المظلمة.
«رجيم» من (رجم) ، وبما أنّ لازمها الطرد ، فقد وردت بهذا المعنى هنا.
ثمّ أضاف البارئ عزوجل : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) فأنت خارج ومطرود من رحمتي إلى الأبد.
المهمّ انّ الإنسان عند ما يرى النتائج الوخيمة لأعماله السيّئة عليه أن يستيقظ من غفلته ، وأن يفكّر في كيفية إصلاح ذلك الخطأ ، ولا شيء أخطر من بقاءه راكبا لموج الغرور واللجاجة واستمراره في السير نحو حافّة الهاوية ، لأنّه في كلّ لحظة يبتعد أكثر عن الصراط المستقيم ، وهذا هو نفس المصير المشؤوم الذي وصل إليه إبليس.
وهنا تحوّل (الحسد) إلى (عداء) ، العداء الشديد والمتأصّل ، كما قال القرآن : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
هذه الآية تبيّن أنّ الشيطان طلب من الله سبحانه وتعالى أن يمهله ، فهل طلب أن يمهله ليسكب عبرات الحسرة والندامة على ما فعله من قبل ، أم أنّه طلب مهلة لإصلاح عصيانه القبيح؟
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢ (الخطبة القاصعة).