يمدّوا يد الحاجة إلى غيره ، ولا يضعوا طوق العبودية لغير الله في أعناقهم ، وأن يتحرّروا من كلّ تعلّق آخر ، ويعتمدوا على همّتهم ، وبهذه النظرة الشمولية يرى المؤمنون أنّ كلّ موجود في هذا العالم إنّما هو من أشعّة وجوده تعالى ، وأن لا ينشغلوا عن (مسبّب الأسباب) بالأسباب ذاتها.
جمع من الفلاسفة عدّوا هذه الآية إشارة إلى البرهان المعروف «الإمكان والفقر» أو «الإمكان والوجوب» لإثبات واجب الوجود ، مع أنّ الآية ليست في مقام بيان الاستدلال على إثبات وجود الله ، بل إنّها شرح لصفاته تعالى ، ولكن يمكن اعتبار البرهان المذكور من لوازم مفاد هذه الآية.
شرح برهان الإمكان والوجوب «الفقر والغنى» :
إنّ جميع الموجودات التي نراها في هذا العالم كانت كلّها ذات يوم «عدما» ، ثمّ اكتست بلباس الوجود ، أو بتعبير أدقّ : كان يوم لم تكن شيئا فيه ، ثمّ صارت وجودا ، وهذا بحدّ ذاته دليل على أنّها معلولة في وجودها لوجود آخر ، وليس لها وجود من ذاتها.
ونعلم بأنّ أي وجود معلول ، مرتبط وقائم بعلّته وكلّه احتياج ، وإذا كانت تلك (العلّة) أيضا معلولة لعلّة اخرى
فإنّها بدورها ستكون محتاجة ، ولو تسلسل هذا الأمر إلى ما لا نهاية فسوف تكون الحصيلة مجموعة من الموجودات المحتاجة الفقيرة ، وبديهي أنّ مجموعة كهذه لن يكون لها وجود أبدا ، لأنّ منتهى الاحتياج احتياج ، ومنتهى الفقر فقر ، وما لا نهاية له من الأصفار لا يمكن أن يحصل منه أي عدد ، كما أنّه ممّا لا نهاية له من المرتبطات بغيرها لا تنتج أي حالة استقلال.
من هنا نستنتج أنّنا في النهاية يجب أن نصل إلى وجود قائم بذاته ، ومستقل من جميع النواحي ، وهو علّة لا معلول ، وهو واجب الوجود.
هنا يثار السؤال التالي : لماذا تتعرّض الآية أعلاه للإنسان وحاجته إلى الله